رقم الزائر
.:: أنت الزائر رقم ::.بحـث
ساعه المنتدى
المواضيع الأخيرة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1750 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Shimaa mohamed فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 33047 مساهمة في هذا المنتدى في 8852 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المدير العام | ||||
ريهام | ||||
عين الحياه | ||||
لؤلؤة المنتدى | ||||
سحر الشرق | ||||
abdullah99 | ||||
امانى | ||||
رحيق الايمان | ||||
احمد عبدالباسط | ||||
joka.jaky |
دخول
مجموعة منتديات مصر الحره
مجموعه منتديات مصر الحره |
زيارة هذه المجموعة |
اشتراك في مجموعه منتديات مصر الحره |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مصر على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مصر الحره على موقع حفض الصفحات
سلسلة { اعترافات فتاة } (17)
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة { اعترافات فتاة } (17)
- 43 -
مشهد .. كل ليلة
كنت في السابعة أو ربما الثامنة من عمري.. نعم.. أتوقع في الثامنة - كنت قد أنهيت الصف الثاني الابتدائي- حين أجريت لأبي عملية خطيرة في القلب..
أصيب بعدها بمضاعفات.. وجلطة مفاجئة في جانب من الدماغ..
أذكر.. حين.. دخلت مع أمي لغرفته.. في العناية المركزة..
أذكر الأجهزة.. رائحة المعقمات..
الصوت المرعب لنبضات القلب على الجهاز..
وقفت مع أمي عند طرف السرير.. وهناك كان أبي ممدداً عاري الصدر ألصقت عليه المجسات والأسلاك، وثمة أنابيب مؤلمة في أنفه..
شعرت بالخوف منه.. لم يكن أبي الذي أعرفه..
نظر إلي بطرف عينيه بصعوبة.. هيئ إلي أنهما كانتا تدمعان.. حرك إصبعين من كفه الأيسر ليشير إلي
بالاقتراب..
شعرت بالخوف..
أمسكت عباءة أمي والتصقت بها..
- هذا أبوك.. حنين.. روحي بوسي إيده..
- أخااااف..!
لم تكن أمي قادرة على حملي ورفعي لأنها كانت حاملاً في شهرها الأخير.. سحبتني بقوة وهي تكتم عبراتها.. وحملتني بمشقة..
- هذا بابا حبيبتي.. شوفيه زين..
دفعتني عند رأسه لأراه جيداً.. لعلي أقبله..
نظرت إليه.. كانت عيناه تدمعان.. وهو ينظر إلي بشوق..
أفلت بقوة من يد أمي وأسرعت أختبئ خلفها.. وألتف بعباءتها.. وأخذت.. أبكي..
- أخااااف ما أبي..!
أخذت أمي تمسح على رأسي وتهدئني.. وصوتها يرتعش بالعبرات..
- خلاص حبيبتي ما يصير تصيحين.. هذا بابا.. شفيك؟
في تلك اللحظة.. كنت أحبه أكثر من أي لحظة مضت.. كنت أتمنى لو أقفز على صدره كما أفعل دائماً وأقبله..
أبي الحبيب..
لكني رأيت في عينيه شيئاً مخيفاً..
رأيت.. الموت.. فخفت منه..
لم أستطع أن أقترب من أبي وهو في لحظات ضعفه هذه..
كان شيئاً مخيفاً جداً لطفلة السنوات الثمانية.. أن ترى والدها بهذا الضعف..
قريباً من شيء مخيف.. كالموت.. هذا ما لم يفهمه أحد ممن كان حولي..
غضبت الممرضة وأمرتنا بالخروج حتى لا نؤثر على مشاعر أبي وقلبه الضعيف..
ارتعشت أمي.. اقتربت من أبي همست في أذنه بكلمات.. وقبلته على رأسه.. ومسحت على شعره..
وخرجنا..
كانت متماسكة نوعاً ما حتى خرجنا..
حين خرجنا من الغرفة وفي الممر مباشرة.. انهارت أمي.. أسندت أمي ظهرها إلى الجدار وأخذت تبكي بقوة..
كانت تنشج كما كنت أفعل حين أطلب شراء لعبة غالية..
فوجئت بالمنظر المؤلم.. أمي تهتز.. ببطنها الكبير... وهي تبكي بقوة.. وتتأوه بحسرة..
- ماما خلاص.. ماما حبيبتي..
طوقتها بطنها بذراعي..
لم تكن تسمعني.. فقط أمسكتني وحضنتني بشدة وهي تبكي...
وكأن بكاؤها يتردد صداه في أذني حتى هذه اللحظة.. ذكراه تحرق قلبي..
الآن فقط فهمت مشاعر امرأة شابة مع طفلين صغيرين.. وجنين في بطنها..
دون أب.. ولا أم..
ومع زوج على حافة الموت..
كان خالي ينتظرنا في البهو الكبير للمستشفى..
حين وصلنا إليه لم يكن يبدو على والدتي أي أثر غير طبيعي..
استطاعت أن تتماسك بسرعة وتبتلع ما بقي من دموعها..
ركبنا معه في السيارة.. وطوال الطريق كان يحاول إقناع أمي بأن تأتي لتسكن لديه ريثما يشفي أبي..
لكنها رفضت وأصرت على أن نبقى في بيتنا..
- لكنك حامل.. وقد تلدين في أي لحظة.. يجب أن يكون قربك رجل.. لا يصح هذا يا نهلة..
- لا تخف علي.. أستطيع أن أتصل عليك عندما أحتاج لذلك.. لا تخف يا أخي..
لم تغب صورة أبي بصدره العاري والأسلاك تغطي جسمه عن ناظري طوال الأيام التالية.. بل طوال أيام عمري الباقية كلها.. أصبحت روتيناً ليلياً..
فقد كانت آخر صورة له..
إذ لم أر أبي بعدها أبداً..
توفي خلال أيام..
غاب عنا..
نساء كثيرات جئن لبيتنا..
بكت أمي كثيراً.. بكت.. حتى خشيت أن تموت.. قلت لها ذلك..
وبقينا في بيتنا.. لم نذهب إلى أي مكان آخر كما أصر الجميع علينا..
* * *
ذات صباح.. استيقظت على صوت أمي وهي تطلب مني أن أغير ملابسي بسرعة..
كان هناك شيء غير طبيعي.. صوتها يرتعش بقلق..
أخذتني أنا وحمودي عند بيت خالي.. وقالت أنها ستذهب في مشوار مع خالي وتعود..
شعرت بالخوف في بيت خالي..
كنت أجلس وحدي أنا وأخي.. لا نفعل شيئاً..
فقد كانت زوجة خالي من النوع الغاضب دائماً.. صراخها الحاد على أبنائها وبناتها كفيل بجعلي – أنا وأخي - لا نغير أماكننا خوفاً من صرخة منها..
عرفت جيداً لماذا لم ترغب أمي في أن نسكن معهم..
شعرت بالملل طويلاً من الجلوس وحدي حتى نمت على الكنبة وأنا أشاهد التلفاز.. ونام حمودي قربي..
وبعد ذلك بمدة.. استيقظت.. وعلمت أن أمي أنجبت طفلاً صغيراً..
لم أفرح كثيراً.. كنت مهتمة بأمي قبل ذلك..
- وأمي أين هي؟ متى تعود؟
- أمك في المستشفى يا حنين..
شعرت بمغص في بطني.. كرهت المستشفى.. تذكرت شكل أبي.. لا.. لا أريدها أن تذهب هناك.. أخشى ألا تعود كما حصل مع أبي.. بكيت.. وبكيت.. ولا أحد يعرف سر بكائي..
عادت أمي تحمل جنينها..
وذهبنا مباشرة إلى بيتنا وأحمد الله أننا لم نجلس في بيت خالي كما حاول إقناعنا..
تعبت أمي بعد ذلك.. كانت مسؤولية البيت والأطفال لوحدها كبيرة عليها.. لكني كنت أساعدها قدر استطاعتي..
ربتنا أمي أفضل تربية.. تعبت علينا كثيراً.. وتعذبت كثيراً في تربية أخويّ..
لا أزال أذكر تلك الليالي التي كانت أمي تدور فيها بقلق في أرجاء البيت حين كان محمد يتأخر فيها في السهر..
ولا زلت أذكر الليلة التي بتنا فيها جميعاً نبكي حين غضب عبد الله وخرج من البيت آخر الليل.. لا نعرف إلى أين ذهب.. وبقينا نبكي بخوف أنا وأمي حتى ساعات الصباح ننتظر رجوعه..
كانت أمي تتحرج من الاتصال بخالي ليتدخل في كل صغيرة وكبيرة..
وكانت مسؤولية صعبة.. أن تواجه المشاكل وحدها..
أصيبت بالقولون.. ثم بالضغط.. ثم.. بالتهاب المفاصل..
أصبحت حركتها صعبة وهي لا تزال صغيرة..
كان أثر الهم والمسؤولية بادياً على جسدها النحيل ووجها الحزين..
ورغم آلامها ومرضها..
كانت حريصة على قيام الليل كل ليلة.. تدعو الله لنا أن يصلحنا ويهدينا - كما أسمعها كثيراً.. وتدعو الله أن يرحم والدي ويجمعها به في
الفردوس الأعلى..
* * *
رغم التعب والآلام.. والسنوات المتعبة التي عاشتها.. بدأت أمي تقطف ثمار جهدها يوماً بعد يوم..
تغير حال أخوي بعد أن كبرا بفضل الله..
رزقهما الله الهداية وصلاح الخلق..
تخرجا.. عملا..
تزوج كل منهما..
وأنا لا زلت أنتظر نصيبي.. مع أني مستمتعة بالحياة مع أمي الحبيبة.. ولا أتخيل نفسي بدونها..
* * *
الليلة.. وكل ليلة..
كلما وضعت رأسي على الوسادة.. أرى مشهد أبي الأخير على سريره.. عاري الصدر.. بالأسلاك والأجهزة.. وصوت نبضات القلب..
أتذكر حركة إصبعيه وهو يشير إلي أن أقترب..
عيناه الدامعتان..
أتذكر بكاء الأم الشابة..
فأدعو الله له بالمغفرة والرحمة من كل قلبي..
وأن يجمعه الله بأمي في جنات
النعيم..
**
مجلة حياة العدد (75) رجب 1427هـ
- 44 -
ليتني أعود .. صفحة بيضاء
تبدأ الجروح كبيرة.. دامية..
ثم تصغر.. تجف..
تلتحم..
لكن.. يبقى مكانها بعض الألم.. وتبقى آثارها مهما مر الزمن..
مكان بلا جرح.. ليس مثل مكان جُرح..
حتماً ليسوا سواء..
إنها الحقيقة مهما حاولنا تجاهلها..
كنت أقف عند نافذة غرفتي.. أطل على إخوتي الصغار وهم يتقافزون في مسبحهم الجديد الذي اشتروه بمناسبة حلول الصيف.. يتقاذفون كراتهم وألعابهم بكل مرح..
ما أجمل الطفولة وبراءتها..
ما أجمل أن تعيش خفيفاً.. دون هم.. ولا حزن ولا مسؤولية.. ولا ذكريات مؤلمة..
ليتني أعود طفلة بريئة طاهرة..
ليتني أعود راوية التي كانت طفلة بليدة مسكينة يضحك عليها بنات أقاربها ويهزأن بها فتجري خلفهم بشعرها الأعرد المتطاير..
ليتني أعود راوية التي تفرح بالفستان واللعبة.. وتمسح دموعها في حضن أمها بعد معاركها مع ابنة عمها كل مساء..
ليتني أعود سعيدة مبتهجة كما كانت راوية يوم العيد في فستانها ذي الحزام العريض وقبعتها وحقيبتها المليئة بالريالات.. لم تكن تهتم في ذلك الوقت بضحكات بنات أعمامها اللاتي كن قد بدأن في لبس الملابس النسائية ووضع شيء من المكياج.
بينما هي تبتسم في وجوه العمات والأعمام منتظرة (العيدية) لتفتح حقيبتها كل خمس دقائق وتعد ما جمعته من مال..
لا أزال أذكر نظراتهن وهمساتهن الضاحكة علي.. وقد وضعت كل منهن رجلها على الأخرى..
لم كن يستعجلن أن يصبحن نساء؟
كنا في نفس العمر تقريباً..
لكنهن يستعجلن أن يكبرن.. أن يضعن المكياج.. الفساتين الضيقة.. التسريحة الأنثوية..
لماذا؟
هل نحن الآن سعيدات بعد أن كبرنا؟
ما أجمل أيام الطفولة.. وبراءتها..
ليتني بقيت فيها أكثر وأكثر.. ليتني لم أكبر بهذه السرعة..
* * *
حاولن جذبي إلى عالمهن السري.. الخاص..
دخلته على وجل..
- يا خبلة ما يصير تلبسين كذا خلاص السنة الجاية بتروحين المتوسط.. وش هالدلاخة؟ للحين تلبسين ملابس أطفال؟ متى بتكبرين؟
- تعالي بس.. لازم نعلمك شلون تلبسين.. تكشخين.. تتمكيجين.. تمشين بالكعب.. تسرحين شعرك.. أصلاً هالـ(كشة) يبغى لها قص.. أنتي وجديلتك!
أشياء كثيرة تعلمتها.. رغم أنها لم تكن تحبها..
لا لشيء سوى لأنهن أقنعنها أنها هكذا غريبة.. مضحكة.. يجب أن تصبح مثلهن..
تعلمت كيف تضع أحمر شفاه لامع.. وقصت شعرها..
- حتى هذه الحواجب لازم (تنظفينها).. شكلك (غلط) فيها!!
كانت قد سمعت أن هذا حرام.. لكنها خجلت وسكتت حين رأت كل الفتيات يؤيدن ما قالته ابنة عمها..
- لكن.. لحظة.. لكن..
- أقول بس.. تعالي أزينهم لك.. علشان يصير شكل عيونك أحلى!
بدأت تمشي بالملقط على حاجبها.. كانت تشعر بالألم يسري لقلبها.. كانت تعرف أن هذا خطأ.. لا يجدر بها فعله.. أن تعصي خالقها لأجل شعيرات.. لكنهن جميعاً أصررن عليها.. كلهن يقمن بذلك..
أصبح لها مظهر آخر.. لم تعد تلك الطفلة..
أصبحت شيئاً آخر.. بقصة شعرها.. ومكياجها.. وكعبها..
من عينيها كانت نظرة براءة تحاول أن تتحدث.. لكن الحاجبين المثلثين كانا يسكتان تلك النظرة ليصرخا بنظرة دهاء.. هي منها بريئة..
تحولت لمسخ..
طفلة بمظهر(..)..!
* * *
- تعالي.. وش ذا العباة.. وش ذا (القراوة)!.. يحليلك.. شكلك كنك عجيّز..!
- هاه؟
- ليش ما تلبسين عباية شبابية.. شي حلو..
- لا.. ما له داعي..
لم تكن تستطيع أن تقول لا.. أنا أحبها.. أفتخر بها..
أحنت رأسها بصمت.. ابتلعت ريقها واستسلمت..
- يا الخبلة أنتي جسمك حلو.. ليش تخبينه بهالخيمة؟ البسي عباة مخصرة.. شيء فيه أنوثة.. أصلاً الشباب هالأيام ما يبون إلا اللي كذا..
ولأول مرة تكلمت..
- وشدخلني بالشباب؟
ارتبكت ابنة عمها..
- آآ.. قصدي إذا بغوا يخطبون..
إيه..!
وغيرت العباءة واستبدلتها بأخرى كانت تسير فيها على استحياء.. حتى تعودت عليها..
* * *
ثم بدأت مرحلة جديدة..
- قولي لهم يشترون لك جوال.. خلاص أنتي بتروحين ثاني متوسط.. أكبر من هالكبر؟!
- بس.. أنا ما أحتاجه..
- من قال ما تحتاجينه؟ أصلاً شكلك كذا يضحك في العزايم والمناسبات كل البنات معهن جولاتهن ويتبادلن البلوتوثات وأنت مسيكينة كنك بزر ما معك جوال.. وبعدين إلى متى صديقاتك إذا بغوا يكلمونك يتصلون على البيت ويرد عليهم فلان وعلان لازم معك جوال تتصلين على صديقاتك متى ما بغيتي لو نص الليل..
وعلى مضض..
أخذت تطالب أهلها به.. حتى كان لها..
* * *
كانت تلاحظ أن مها تمضي الساعات وهي تتحدث في الجوال تضحك.. تهمس.. وتلعب بشعرها..
- من كنت تكلمين؟
- ما لك دخل.. هذه أشياء ما تعرفينها.. توك صغيرة عليها..
- مها وش تقولين..؟
- هذا يا حبيبتي عالم ثاني مالك فيه يا المسكينة..
- شالألغاز؟ من تكلمين؟
أخذت تغني.. وتدور وشعرها يطير حولها.. ثم رمت نفسها على السرير..
وتنهدت..
- مسكين اللي ما جرب الحب والغرام..
- أي حب وغرام؟ مها!!.. أنتي تكلمين واحد؟
- لا.. عشرة! خخخخخ.. إيه.. أكلم واحد.. شفيك نتاظريني كذا؟
- مها حرام عليك!
- حرام عليك أنتي اللي دافنة نفسك وشبابك.. عيشي حياتك.. شوفي حولك.. كل البنات يكلمون.. ما بقى إلا أنتي بس يالمسكينة..
- لكن..
- بلا لكن.. يا أختي عمرنا ما سمعنا كلام حلو.. اسمعي الكلام اللي عمرك ما سمعتيه.. غير الرسايل والهدايا..
وجرفتني بكلامها المعسول.. لا أعرف كيف..
بدأت على خجل..
ثم تعودت.. مات الحياء.. غاب الخوف من الله..
(كل البنات يكلمون.. أنتي بس اللي توك طفلة)
طفلة.. بزر.. نقطة ضعفي.. الكلمة التي كنت أكرهها في ذلك الوقت..
كنت أريد أن أخلع ثوب الطفولة وكل ما يمت إليه بصلة.. بأي وسيلة.. وبسرعة.. حتى لو خلعت معه آخر غلالة للحياء والإيمان..
* * *
مات كل شيء جميل..
كلمت أكثر من شاب..
الكلام المعسول تعودت عليه..
الرسائل بدأت تتكرر.. أصبت بالملل.. الملل من الحياة في خوف وقلق.. وحيرة..
ومن التقلب بين جوال هذا وماسنجر ذاك..
العلاقة لم تكن تصل إلى شيء..
كلهم يدعون الحب.. ثم ماذا؟..
يحاولون إقناعي بالخروج معهم.. ثم ييأسون من رفضي ويذهبون..
كان هذا الجدار الأخير الذي لم يسقط حمداً لله..
- طيب اخطبني!!
ضحكة طويييلة ثم..
- يحليلك.. (بزر).. أي خطبة وأنتي في ثاني متوسط..
- ثالث متوسط!
- المهم في المتوسطة.. أي خطبة.. أكيد أهلك ما راح يوافقون..
- أنت جرب..
- أقول بلا خرابيط.. خلينا كذا أحسن.. بلا زواج بلا هم..
- لكن ما يصير لازم نتزوج..
- شوفي يا ماما.. أنا رجال متعقد من الزواج.. عندي اللي مكفيني..
- طيب ليش ما تطلق زوجتك إذا ما تبيها؟ ليش نبقى كذا معلقين؟
- أوووه.. شكلك بتطفشيني..
هكذا كانت تنتهي معظم علاقاتي.. بت أعرف طريقتهم.. أسلوبهم.. كيف يبدؤون.. وكيف يكذبون.. ومتى يتغيرون.. ومتى يغضبون.. ومتى ينهون العلاقة كما يريدون..
سئمت تعبت.. تعبت من محاولات أن أخلع ثوب الطفولة..
تعبت.. من الضياع.. من البعد عن الله..
* * *
نظرت إلى نفسي بالمرآة..
رأيت نفسي بلا وجه..
بلا حياء.. بلا نور إيمان.. بلا راحة.. بلا رضا..
كنت أرتدي قناعاً قبيحاً.. مقززاً.. أهذه هي الأنوثة..؟
تباً لها إن كانت كذلك..
سأخلع هذا القناع.. وهذا الثوب الذي لا أحب..
وليقولوا طفلة.. وغبية.. ومسكينة.. سأكون فوقهم ولن أخجل هذه المرة..
سأعود لربي الذي أعرضت عنه طويلاً..
سأمرغ جبهتي في الأرض طلباً لرضاه هو.. ولن أهتم بما سيقولونه أو يفعلونه..
* * *
- رااااااوية.. شوفيني.. بأغوص..
ابتسمت وأنا أنظر إلى خلودي الصغير وهو يستعرض..
ما أروع أن يكون الإنسان مرتاحاً.. بلا مكابرة.. بلا معاص تثقل ظهره..
ذهبت الجروح.. ذهبت الأحداث.. لكن آثارها لا زالت باقية.. تحرق فؤادي كلما تذكرتها..
ليتني أعود طفلة بريئة..
ليتني أعود صفحة بيضاء..
**
مجلة حياة العدد (76) شعبان 1427هـ
مشهد .. كل ليلة
كنت في السابعة أو ربما الثامنة من عمري.. نعم.. أتوقع في الثامنة - كنت قد أنهيت الصف الثاني الابتدائي- حين أجريت لأبي عملية خطيرة في القلب..
أصيب بعدها بمضاعفات.. وجلطة مفاجئة في جانب من الدماغ..
أذكر.. حين.. دخلت مع أمي لغرفته.. في العناية المركزة..
أذكر الأجهزة.. رائحة المعقمات..
الصوت المرعب لنبضات القلب على الجهاز..
وقفت مع أمي عند طرف السرير.. وهناك كان أبي ممدداً عاري الصدر ألصقت عليه المجسات والأسلاك، وثمة أنابيب مؤلمة في أنفه..
شعرت بالخوف منه.. لم يكن أبي الذي أعرفه..
نظر إلي بطرف عينيه بصعوبة.. هيئ إلي أنهما كانتا تدمعان.. حرك إصبعين من كفه الأيسر ليشير إلي
بالاقتراب..
شعرت بالخوف..
أمسكت عباءة أمي والتصقت بها..
- هذا أبوك.. حنين.. روحي بوسي إيده..
- أخااااف..!
لم تكن أمي قادرة على حملي ورفعي لأنها كانت حاملاً في شهرها الأخير.. سحبتني بقوة وهي تكتم عبراتها.. وحملتني بمشقة..
- هذا بابا حبيبتي.. شوفيه زين..
دفعتني عند رأسه لأراه جيداً.. لعلي أقبله..
نظرت إليه.. كانت عيناه تدمعان.. وهو ينظر إلي بشوق..
أفلت بقوة من يد أمي وأسرعت أختبئ خلفها.. وألتف بعباءتها.. وأخذت.. أبكي..
- أخااااف ما أبي..!
أخذت أمي تمسح على رأسي وتهدئني.. وصوتها يرتعش بالعبرات..
- خلاص حبيبتي ما يصير تصيحين.. هذا بابا.. شفيك؟
في تلك اللحظة.. كنت أحبه أكثر من أي لحظة مضت.. كنت أتمنى لو أقفز على صدره كما أفعل دائماً وأقبله..
أبي الحبيب..
لكني رأيت في عينيه شيئاً مخيفاً..
رأيت.. الموت.. فخفت منه..
لم أستطع أن أقترب من أبي وهو في لحظات ضعفه هذه..
كان شيئاً مخيفاً جداً لطفلة السنوات الثمانية.. أن ترى والدها بهذا الضعف..
قريباً من شيء مخيف.. كالموت.. هذا ما لم يفهمه أحد ممن كان حولي..
غضبت الممرضة وأمرتنا بالخروج حتى لا نؤثر على مشاعر أبي وقلبه الضعيف..
ارتعشت أمي.. اقتربت من أبي همست في أذنه بكلمات.. وقبلته على رأسه.. ومسحت على شعره..
وخرجنا..
كانت متماسكة نوعاً ما حتى خرجنا..
حين خرجنا من الغرفة وفي الممر مباشرة.. انهارت أمي.. أسندت أمي ظهرها إلى الجدار وأخذت تبكي بقوة..
كانت تنشج كما كنت أفعل حين أطلب شراء لعبة غالية..
فوجئت بالمنظر المؤلم.. أمي تهتز.. ببطنها الكبير... وهي تبكي بقوة.. وتتأوه بحسرة..
- ماما خلاص.. ماما حبيبتي..
طوقتها بطنها بذراعي..
لم تكن تسمعني.. فقط أمسكتني وحضنتني بشدة وهي تبكي...
وكأن بكاؤها يتردد صداه في أذني حتى هذه اللحظة.. ذكراه تحرق قلبي..
الآن فقط فهمت مشاعر امرأة شابة مع طفلين صغيرين.. وجنين في بطنها..
دون أب.. ولا أم..
ومع زوج على حافة الموت..
كان خالي ينتظرنا في البهو الكبير للمستشفى..
حين وصلنا إليه لم يكن يبدو على والدتي أي أثر غير طبيعي..
استطاعت أن تتماسك بسرعة وتبتلع ما بقي من دموعها..
ركبنا معه في السيارة.. وطوال الطريق كان يحاول إقناع أمي بأن تأتي لتسكن لديه ريثما يشفي أبي..
لكنها رفضت وأصرت على أن نبقى في بيتنا..
- لكنك حامل.. وقد تلدين في أي لحظة.. يجب أن يكون قربك رجل.. لا يصح هذا يا نهلة..
- لا تخف علي.. أستطيع أن أتصل عليك عندما أحتاج لذلك.. لا تخف يا أخي..
لم تغب صورة أبي بصدره العاري والأسلاك تغطي جسمه عن ناظري طوال الأيام التالية.. بل طوال أيام عمري الباقية كلها.. أصبحت روتيناً ليلياً..
فقد كانت آخر صورة له..
إذ لم أر أبي بعدها أبداً..
توفي خلال أيام..
غاب عنا..
نساء كثيرات جئن لبيتنا..
بكت أمي كثيراً.. بكت.. حتى خشيت أن تموت.. قلت لها ذلك..
وبقينا في بيتنا.. لم نذهب إلى أي مكان آخر كما أصر الجميع علينا..
* * *
ذات صباح.. استيقظت على صوت أمي وهي تطلب مني أن أغير ملابسي بسرعة..
كان هناك شيء غير طبيعي.. صوتها يرتعش بقلق..
أخذتني أنا وحمودي عند بيت خالي.. وقالت أنها ستذهب في مشوار مع خالي وتعود..
شعرت بالخوف في بيت خالي..
كنت أجلس وحدي أنا وأخي.. لا نفعل شيئاً..
فقد كانت زوجة خالي من النوع الغاضب دائماً.. صراخها الحاد على أبنائها وبناتها كفيل بجعلي – أنا وأخي - لا نغير أماكننا خوفاً من صرخة منها..
عرفت جيداً لماذا لم ترغب أمي في أن نسكن معهم..
شعرت بالملل طويلاً من الجلوس وحدي حتى نمت على الكنبة وأنا أشاهد التلفاز.. ونام حمودي قربي..
وبعد ذلك بمدة.. استيقظت.. وعلمت أن أمي أنجبت طفلاً صغيراً..
لم أفرح كثيراً.. كنت مهتمة بأمي قبل ذلك..
- وأمي أين هي؟ متى تعود؟
- أمك في المستشفى يا حنين..
شعرت بمغص في بطني.. كرهت المستشفى.. تذكرت شكل أبي.. لا.. لا أريدها أن تذهب هناك.. أخشى ألا تعود كما حصل مع أبي.. بكيت.. وبكيت.. ولا أحد يعرف سر بكائي..
عادت أمي تحمل جنينها..
وذهبنا مباشرة إلى بيتنا وأحمد الله أننا لم نجلس في بيت خالي كما حاول إقناعنا..
تعبت أمي بعد ذلك.. كانت مسؤولية البيت والأطفال لوحدها كبيرة عليها.. لكني كنت أساعدها قدر استطاعتي..
ربتنا أمي أفضل تربية.. تعبت علينا كثيراً.. وتعذبت كثيراً في تربية أخويّ..
لا أزال أذكر تلك الليالي التي كانت أمي تدور فيها بقلق في أرجاء البيت حين كان محمد يتأخر فيها في السهر..
ولا زلت أذكر الليلة التي بتنا فيها جميعاً نبكي حين غضب عبد الله وخرج من البيت آخر الليل.. لا نعرف إلى أين ذهب.. وبقينا نبكي بخوف أنا وأمي حتى ساعات الصباح ننتظر رجوعه..
كانت أمي تتحرج من الاتصال بخالي ليتدخل في كل صغيرة وكبيرة..
وكانت مسؤولية صعبة.. أن تواجه المشاكل وحدها..
أصيبت بالقولون.. ثم بالضغط.. ثم.. بالتهاب المفاصل..
أصبحت حركتها صعبة وهي لا تزال صغيرة..
كان أثر الهم والمسؤولية بادياً على جسدها النحيل ووجها الحزين..
ورغم آلامها ومرضها..
كانت حريصة على قيام الليل كل ليلة.. تدعو الله لنا أن يصلحنا ويهدينا - كما أسمعها كثيراً.. وتدعو الله أن يرحم والدي ويجمعها به في
الفردوس الأعلى..
* * *
رغم التعب والآلام.. والسنوات المتعبة التي عاشتها.. بدأت أمي تقطف ثمار جهدها يوماً بعد يوم..
تغير حال أخوي بعد أن كبرا بفضل الله..
رزقهما الله الهداية وصلاح الخلق..
تخرجا.. عملا..
تزوج كل منهما..
وأنا لا زلت أنتظر نصيبي.. مع أني مستمتعة بالحياة مع أمي الحبيبة.. ولا أتخيل نفسي بدونها..
* * *
الليلة.. وكل ليلة..
كلما وضعت رأسي على الوسادة.. أرى مشهد أبي الأخير على سريره.. عاري الصدر.. بالأسلاك والأجهزة.. وصوت نبضات القلب..
أتذكر حركة إصبعيه وهو يشير إلي أن أقترب..
عيناه الدامعتان..
أتذكر بكاء الأم الشابة..
فأدعو الله له بالمغفرة والرحمة من كل قلبي..
وأن يجمعه الله بأمي في جنات
النعيم..
**
مجلة حياة العدد (75) رجب 1427هـ
- 44 -
ليتني أعود .. صفحة بيضاء
تبدأ الجروح كبيرة.. دامية..
ثم تصغر.. تجف..
تلتحم..
لكن.. يبقى مكانها بعض الألم.. وتبقى آثارها مهما مر الزمن..
مكان بلا جرح.. ليس مثل مكان جُرح..
حتماً ليسوا سواء..
إنها الحقيقة مهما حاولنا تجاهلها..
كنت أقف عند نافذة غرفتي.. أطل على إخوتي الصغار وهم يتقافزون في مسبحهم الجديد الذي اشتروه بمناسبة حلول الصيف.. يتقاذفون كراتهم وألعابهم بكل مرح..
ما أجمل الطفولة وبراءتها..
ما أجمل أن تعيش خفيفاً.. دون هم.. ولا حزن ولا مسؤولية.. ولا ذكريات مؤلمة..
ليتني أعود طفلة بريئة طاهرة..
ليتني أعود راوية التي كانت طفلة بليدة مسكينة يضحك عليها بنات أقاربها ويهزأن بها فتجري خلفهم بشعرها الأعرد المتطاير..
ليتني أعود راوية التي تفرح بالفستان واللعبة.. وتمسح دموعها في حضن أمها بعد معاركها مع ابنة عمها كل مساء..
ليتني أعود سعيدة مبتهجة كما كانت راوية يوم العيد في فستانها ذي الحزام العريض وقبعتها وحقيبتها المليئة بالريالات.. لم تكن تهتم في ذلك الوقت بضحكات بنات أعمامها اللاتي كن قد بدأن في لبس الملابس النسائية ووضع شيء من المكياج.
بينما هي تبتسم في وجوه العمات والأعمام منتظرة (العيدية) لتفتح حقيبتها كل خمس دقائق وتعد ما جمعته من مال..
لا أزال أذكر نظراتهن وهمساتهن الضاحكة علي.. وقد وضعت كل منهن رجلها على الأخرى..
لم كن يستعجلن أن يصبحن نساء؟
كنا في نفس العمر تقريباً..
لكنهن يستعجلن أن يكبرن.. أن يضعن المكياج.. الفساتين الضيقة.. التسريحة الأنثوية..
لماذا؟
هل نحن الآن سعيدات بعد أن كبرنا؟
ما أجمل أيام الطفولة.. وبراءتها..
ليتني بقيت فيها أكثر وأكثر.. ليتني لم أكبر بهذه السرعة..
* * *
حاولن جذبي إلى عالمهن السري.. الخاص..
دخلته على وجل..
- يا خبلة ما يصير تلبسين كذا خلاص السنة الجاية بتروحين المتوسط.. وش هالدلاخة؟ للحين تلبسين ملابس أطفال؟ متى بتكبرين؟
- تعالي بس.. لازم نعلمك شلون تلبسين.. تكشخين.. تتمكيجين.. تمشين بالكعب.. تسرحين شعرك.. أصلاً هالـ(كشة) يبغى لها قص.. أنتي وجديلتك!
أشياء كثيرة تعلمتها.. رغم أنها لم تكن تحبها..
لا لشيء سوى لأنهن أقنعنها أنها هكذا غريبة.. مضحكة.. يجب أن تصبح مثلهن..
تعلمت كيف تضع أحمر شفاه لامع.. وقصت شعرها..
- حتى هذه الحواجب لازم (تنظفينها).. شكلك (غلط) فيها!!
كانت قد سمعت أن هذا حرام.. لكنها خجلت وسكتت حين رأت كل الفتيات يؤيدن ما قالته ابنة عمها..
- لكن.. لحظة.. لكن..
- أقول بس.. تعالي أزينهم لك.. علشان يصير شكل عيونك أحلى!
بدأت تمشي بالملقط على حاجبها.. كانت تشعر بالألم يسري لقلبها.. كانت تعرف أن هذا خطأ.. لا يجدر بها فعله.. أن تعصي خالقها لأجل شعيرات.. لكنهن جميعاً أصررن عليها.. كلهن يقمن بذلك..
أصبح لها مظهر آخر.. لم تعد تلك الطفلة..
أصبحت شيئاً آخر.. بقصة شعرها.. ومكياجها.. وكعبها..
من عينيها كانت نظرة براءة تحاول أن تتحدث.. لكن الحاجبين المثلثين كانا يسكتان تلك النظرة ليصرخا بنظرة دهاء.. هي منها بريئة..
تحولت لمسخ..
طفلة بمظهر(..)..!
* * *
- تعالي.. وش ذا العباة.. وش ذا (القراوة)!.. يحليلك.. شكلك كنك عجيّز..!
- هاه؟
- ليش ما تلبسين عباية شبابية.. شي حلو..
- لا.. ما له داعي..
لم تكن تستطيع أن تقول لا.. أنا أحبها.. أفتخر بها..
أحنت رأسها بصمت.. ابتلعت ريقها واستسلمت..
- يا الخبلة أنتي جسمك حلو.. ليش تخبينه بهالخيمة؟ البسي عباة مخصرة.. شيء فيه أنوثة.. أصلاً الشباب هالأيام ما يبون إلا اللي كذا..
ولأول مرة تكلمت..
- وشدخلني بالشباب؟
ارتبكت ابنة عمها..
- آآ.. قصدي إذا بغوا يخطبون..
إيه..!
وغيرت العباءة واستبدلتها بأخرى كانت تسير فيها على استحياء.. حتى تعودت عليها..
* * *
ثم بدأت مرحلة جديدة..
- قولي لهم يشترون لك جوال.. خلاص أنتي بتروحين ثاني متوسط.. أكبر من هالكبر؟!
- بس.. أنا ما أحتاجه..
- من قال ما تحتاجينه؟ أصلاً شكلك كذا يضحك في العزايم والمناسبات كل البنات معهن جولاتهن ويتبادلن البلوتوثات وأنت مسيكينة كنك بزر ما معك جوال.. وبعدين إلى متى صديقاتك إذا بغوا يكلمونك يتصلون على البيت ويرد عليهم فلان وعلان لازم معك جوال تتصلين على صديقاتك متى ما بغيتي لو نص الليل..
وعلى مضض..
أخذت تطالب أهلها به.. حتى كان لها..
* * *
كانت تلاحظ أن مها تمضي الساعات وهي تتحدث في الجوال تضحك.. تهمس.. وتلعب بشعرها..
- من كنت تكلمين؟
- ما لك دخل.. هذه أشياء ما تعرفينها.. توك صغيرة عليها..
- مها وش تقولين..؟
- هذا يا حبيبتي عالم ثاني مالك فيه يا المسكينة..
- شالألغاز؟ من تكلمين؟
أخذت تغني.. وتدور وشعرها يطير حولها.. ثم رمت نفسها على السرير..
وتنهدت..
- مسكين اللي ما جرب الحب والغرام..
- أي حب وغرام؟ مها!!.. أنتي تكلمين واحد؟
- لا.. عشرة! خخخخخ.. إيه.. أكلم واحد.. شفيك نتاظريني كذا؟
- مها حرام عليك!
- حرام عليك أنتي اللي دافنة نفسك وشبابك.. عيشي حياتك.. شوفي حولك.. كل البنات يكلمون.. ما بقى إلا أنتي بس يالمسكينة..
- لكن..
- بلا لكن.. يا أختي عمرنا ما سمعنا كلام حلو.. اسمعي الكلام اللي عمرك ما سمعتيه.. غير الرسايل والهدايا..
وجرفتني بكلامها المعسول.. لا أعرف كيف..
بدأت على خجل..
ثم تعودت.. مات الحياء.. غاب الخوف من الله..
(كل البنات يكلمون.. أنتي بس اللي توك طفلة)
طفلة.. بزر.. نقطة ضعفي.. الكلمة التي كنت أكرهها في ذلك الوقت..
كنت أريد أن أخلع ثوب الطفولة وكل ما يمت إليه بصلة.. بأي وسيلة.. وبسرعة.. حتى لو خلعت معه آخر غلالة للحياء والإيمان..
* * *
مات كل شيء جميل..
كلمت أكثر من شاب..
الكلام المعسول تعودت عليه..
الرسائل بدأت تتكرر.. أصبت بالملل.. الملل من الحياة في خوف وقلق.. وحيرة..
ومن التقلب بين جوال هذا وماسنجر ذاك..
العلاقة لم تكن تصل إلى شيء..
كلهم يدعون الحب.. ثم ماذا؟..
يحاولون إقناعي بالخروج معهم.. ثم ييأسون من رفضي ويذهبون..
كان هذا الجدار الأخير الذي لم يسقط حمداً لله..
- طيب اخطبني!!
ضحكة طويييلة ثم..
- يحليلك.. (بزر).. أي خطبة وأنتي في ثاني متوسط..
- ثالث متوسط!
- المهم في المتوسطة.. أي خطبة.. أكيد أهلك ما راح يوافقون..
- أنت جرب..
- أقول بلا خرابيط.. خلينا كذا أحسن.. بلا زواج بلا هم..
- لكن ما يصير لازم نتزوج..
- شوفي يا ماما.. أنا رجال متعقد من الزواج.. عندي اللي مكفيني..
- طيب ليش ما تطلق زوجتك إذا ما تبيها؟ ليش نبقى كذا معلقين؟
- أوووه.. شكلك بتطفشيني..
هكذا كانت تنتهي معظم علاقاتي.. بت أعرف طريقتهم.. أسلوبهم.. كيف يبدؤون.. وكيف يكذبون.. ومتى يتغيرون.. ومتى يغضبون.. ومتى ينهون العلاقة كما يريدون..
سئمت تعبت.. تعبت من محاولات أن أخلع ثوب الطفولة..
تعبت.. من الضياع.. من البعد عن الله..
* * *
نظرت إلى نفسي بالمرآة..
رأيت نفسي بلا وجه..
بلا حياء.. بلا نور إيمان.. بلا راحة.. بلا رضا..
كنت أرتدي قناعاً قبيحاً.. مقززاً.. أهذه هي الأنوثة..؟
تباً لها إن كانت كذلك..
سأخلع هذا القناع.. وهذا الثوب الذي لا أحب..
وليقولوا طفلة.. وغبية.. ومسكينة.. سأكون فوقهم ولن أخجل هذه المرة..
سأعود لربي الذي أعرضت عنه طويلاً..
سأمرغ جبهتي في الأرض طلباً لرضاه هو.. ولن أهتم بما سيقولونه أو يفعلونه..
* * *
- رااااااوية.. شوفيني.. بأغوص..
ابتسمت وأنا أنظر إلى خلودي الصغير وهو يستعرض..
ما أروع أن يكون الإنسان مرتاحاً.. بلا مكابرة.. بلا معاص تثقل ظهره..
ذهبت الجروح.. ذهبت الأحداث.. لكن آثارها لا زالت باقية.. تحرق فؤادي كلما تذكرتها..
ليتني أعود طفلة بريئة..
ليتني أعود صفحة بيضاء..
**
مجلة حياة العدد (76) شعبان 1427هـ
مواضيع مماثلة
» سلسلة { اعترافات فتاة } (13)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (14)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (15)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (16)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (1)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (14)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (15)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (16)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (1)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 2:54 pm من طرف ahmedsh167
» تبادل إعلاني مجاني - تبادل إعلانات نصية - تبادل بنرات إعلانية - تبادل الزيارات بين أصحاب المواقع - دليل مواقع
الجمعة نوفمبر 08, 2024 8:37 am من طرف alaa_eg
» amgroup markting | عروض وخصومات يومية للتسوق في مكان واحد
الثلاثاء أكتوبر 22, 2024 3:32 am من طرف lovesport
» بوكلين فولفو 210 موديل 2015 - حفار - Excavator - كود A376
الثلاثاء أغسطس 13, 2024 3:33 pm من طرف lovesport
» شركة صقر الشارقة للنقليات | saqralsharqa company transporters
الثلاثاء يوليو 23, 2024 9:37 pm من طرف lovesport
» مؤسسة صقر الشارقة للنقليات | transporters
الخميس فبراير 29, 2024 5:08 pm من طرف lovesport
» شركة تنظيف بالجبيل
الأحد فبراير 18, 2024 2:04 am من طرف شيماء أسامة 272
» شركة تنظيف بالجبيل
الثلاثاء أكتوبر 31, 2023 10:00 pm من طرف شيماء أسامة 272
» شركة تنظيف سجاد براس تنورة
الإثنين أكتوبر 09, 2023 5:00 pm من طرف شيماء أسامة 272
» تحميل القران الكريم بصوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد mp3 كامل مجانا مضغوط
الإثنين سبتمبر 18, 2023 12:34 pm من طرف alaa_eg
» تحميل التعليق العربي pes 2013 حفيظ دراجي
الأحد سبتمبر 17, 2023 12:41 pm من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج SFX Maker لصناعة البرامج تثبيت صامت بآخر إصدار
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:32 am من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج تشغيل الفيديو QQ Player كيوكيو بلاير للكمبيوتر
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:27 am من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج صانع شهادات التقدير للكمبيوتر مجاناً - Certificate Maker
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:09 am من طرف alaa_eg
» تحميل القران الكريم بصوت اسلام صبحي mp3 كامل مجانا
الأحد سبتمبر 10, 2023 5:32 am من طرف alaa_eg
» بوكلين فولفو 460 - حفار فولفو 2009 - VOLVO EC460B - Excavator - كود A 282
الإثنين أغسطس 14, 2023 4:11 pm من طرف lovesport
» تبادل إعلاني مجاني - تبادل بانرات ، تبادل اعلانات نصيه ، تبادل زيارات
الجمعة فبراير 24, 2023 6:34 pm من طرف alaa_eg
» منتديات عرب مسلم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:32 pm من طرف alaa_eg
» منتديات مثقف دوت كوم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:30 pm من طرف alaa_eg
» منتدى برامج نت
الجمعة فبراير 24, 2023 6:28 pm من طرف alaa_eg