رقم الزائر
.:: أنت الزائر رقم ::.بحـث
ساعه المنتدى
المواضيع الأخيرة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1750 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Shimaa mohamed فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 33041 مساهمة في هذا المنتدى في 8848 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المدير العام | ||||
ريهام | ||||
عين الحياه | ||||
لؤلؤة المنتدى | ||||
سحر الشرق | ||||
abdullah99 | ||||
امانى | ||||
رحيق الايمان | ||||
احمد عبدالباسط | ||||
joka.jaky |
دخول
مجموعة منتديات مصر الحره
مجموعه منتديات مصر الحره |
زيارة هذه المجموعة |
اشتراك في مجموعه منتديات مصر الحره |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مصر على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مصر الحره على موقع حفض الصفحات
هل صحيح أن الميت يعذب بالبكاء عليه ؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
هل صحيح أن الميت يعذب بالبكاء عليه ؟
معنى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
هل صحيح أن الميت يعذب بالبكاء عليه ؟ وما ذنب الميت حتى يعاقب على معصية فعلها غيره ؟.
الحمد لله
نعم ، قد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وليس هذا من عقوبة الميت بذنب غيره ، كما سيأتي .
وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الأحاديث ، لظنها أنها تتعارض مع قوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا ، مع بيان معناها الصحيح الذي لا يتعارض مع هذه الآية ، وجواب العلماء على اعتراض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
روى البخاري (1291) ومسلم (933) عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ) زاد مسلم : ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
وروى البخاري (1292) ومسلم (927) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ) .
قال النووي : وَفِي رِوَايَة بِإِثْبَاتِ ( فِي قَبْره ) وَفِي رِوَايَة بِحَذْفِهِ اهـ .
وروى البخاري (1288) ومسلم (929) عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا ، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا صَوْت مِنْ الدَّار ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ : أَلا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ ؟
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ : ....َلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ : وَا أَخَاهُ ! وَا صَاحِبَاهُ ! فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا صُهَيْبُ ، أَتَبْكِي عَلَيَّ ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَتْ : رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) وَقَالَتْ : حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا .
وقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَتْ : إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُوني عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلا مُكَذَّبَيْنِ ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ .
قال الحافظ :
قَوْله : ( مَا قَالَ اِبْن عُمَر شَيْئًا ) َقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : سُكُوته لا يَدُلّ عَلَى الإِذْعَان فَلَعَلَّهُ كَرِهَ الْمُجَادَلَة فِي ذَلِكَ الْمَقَام .
وروى مسلم (927) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ، فَقَالَ : مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ ! أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟) .
فهذه الأحاديث رواها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة من الصحابة وهم عمر وابن عمر والمغيرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ، وفيها تعذيب الميت ببكاء أهله عليه .
مسائل :
المسألة الأولى :
المراد بالبكاء في هذه الأحاديث .
اتفق العلماء على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق البكاء ، بل المراد بالبكاء هنا النياحة ورفع الصوت .
قال النووي :
" وَأَجْمَعُوا كُلّهمْ عَلَى اِخْتِلَاف مَذَاهِبهمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاء بِصَوْتٍ وَنِيَاحَة لَا مُجَرَّد دَمْع الْعَيْن " انتهى .
المسألة الثانية :
أما رد عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها هذه الأحاديث ، فهو اجتهاد منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ، حيث ظنت أن عمر وابنه رضي الله عنهما قد وهما وأخطآ ، وأن هذه الأحاديث معارضة لقول الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام/164 .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : " إِنْكَار عَائِشَة رضي الله عنها ذَلِكَ وَحُكْمهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوْ النِّسْيَان أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَع بَعْضًا بَعِيد , لأَنَّ الرُّوَاة لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الصَّحَابَة كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلا وَجْه لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَان حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَل صَحِيح " انتهى .
فإن قيل : كيف حلفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها على أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل هذا مع ثبوته عنه ؟
فالجواب : أنها حلفت بناء على غلبة ظنها أن عمر وابنه عبد الله وهما رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ، والحلف على غلبة الظن جائز . قاله النووي رحمه الله بمعناه .
المسألة الثالثة :
الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما استدلت به عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من قول الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) . وبيان أنه لا تعارض بينها .
اختلفت طريقة العلماء في توجيه الحديث وبيان عدم تعارضه مع الآية ، ولهم في ذلك طرق :
أَوَّلهَا : طَرِيقَة الْبُخَارِيّ
أنه يعذب بذلك إذا كان من سنته وطريقته وقد أقرّ عليه أهله في حياته فيعذب لذلك ، وإن لم يكن من طريقته فإنه لا يعذب . فإنه قال :
" بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (أي من طريقته وعادته) "
قال الحافظ :
" فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّب بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُون تِلْكَ طَرِيقَته إِلَخْ , وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّف ( فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّته ) أَيْ كَمَنْ كَانَ لا شُعُور عِنْده بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْره , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ اِبْن الْمُبَارَك : إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاته فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْء " انتهى .
ثَانِيهَا :
وقد نسبه النووي إلى الْجُمْهُور وصححه ، حملوا الحديث عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاح بَعْد مَوْته فَنُفِّذَتْ وَصِيَّته , فَهَذَا يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله عَلَيْهِ وَنَوْحهمْ ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوب إِلَيْهِ , فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْله وَنَاحُوا مِنْ غَيْر وَصِيَّة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّب لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
قَالُوا : وَكَانَ مِنْ عَادَة الْعَرَب الْوَصِيَّة بِذَلِكَ ، وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَةَ بْن الْعَبْد :
إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَدِ
قَالُوا : فَخَرَجَ الْحَدِيث مُطْلَقًا حَمْلا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ .
ثَالِثهَا : هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْح ، أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا .
فَأَمَّا مَنْ وَصَّى بِتَرْكِهِمَا فَلَا يُعَذَّب بِهِمَا إِذْ لا صُنْع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيط مِنْهُ . وَحَاصِل هَذَا الْقَوْل إِيجَاب الْوَصِيَّة بِتَرْكِهِمَا , وَمَنْ أَهْمَلَهُمَا عُذِّبَ بِهِمَا . وَهُوَ قَوْل دَاوُد وَطَائِفَة .
رَابِعهَا : وَقَالَتْ طَائِفَة : مَعْنَى الأَحَادِيث أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّت وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِله وَمَحَاسِنه فِي زَعْمهمْ , وَتِلْكَ الشَّمَائِل قَبَائِح فِي الشَّرْع يُعَذَّب بِهَا .
فمَعْنَى قَوْله " يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله " أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيه أَهْله بِهِ .
وَهَذَا اِخْتِيَار اِبْن حَزْم وَطَائِفَة ,
فكانوا يَنْدُبُونَ الميت بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي ظلم فِيهَا , وَشَجَاعَته الَّتِي صَرَفَهَا فِي غَيْر طَاعَة اللَّه , وَجُوده الَّذِي لَمْ يَضَعهُ فِي الْحَقّ , فَأَهْله يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِر وَهُوَ يُعَذَّب بِذَلِكَ .
خَامِسهَا : مَعْنَى التَّعْذِيب تَوْبِيخ الْمَلائِكَة لَهُ بِمَا يَنْدُبهُ أَهْله بِهِ كَمَا رَوَى ابن ماجه (1594) عن أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ، إِذَا قَالُوا : وَا عَضُدَاهُ ، وَا كَاسِيَاهُ ، وَا نَاصِرَاهُ ، وَا جَبَلَاهُ ، وَنَحْوَ هَذَا ، يُتَعْتَعُ –أي يقلق ويزعج ويجر بشدة- وَيُقَالُ : أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ )
قَالَ أَسِيدٌ : فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
قَالَ : وَيْحَكَ ! أُحَدِّثُكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَرَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! أَوْ تَرَى أَنِّي كَذَبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى ؟! حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (1003) بِلَفْظِ : ( مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ : وَا جَبَلاهْ وَا سَيِّدَاهْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ -أَيْ : يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ- أَهَكَذَا كُنْتَ ؟ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ويشهد له ما رواه البخاري (4268) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي : وَا جَبَلاهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ : مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلا قِيلَ لِي : آنْتَ كَذَلِكَ ؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ .
سَادِسهَا : مَعْنَى التَّعْذِيب تَأَلُّم الْمَيِّت بِمَا يَقَع مِنْ أَهْله مِنْ النِّيَاحَة وَغَيْرهَا , وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي جَعْفَر الطَّبَرِيّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَرَجَّحَهُ القاضي عِيَاض ، وَنَصَرَهُ شيخ الإسلام اِبْن تَيْمِيَة وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَة بِنْت مَخْرَمَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاها عن البكاء على ابنها وقال : ( أَيُغْْلَبُ أَحَدكُمْ أَنْ يُصَاحِب صُوَيْحِبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا , وَإِذَا مَاتَ اِسْتَرْجَعَ , فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِر إِلَيْهِ صُوَيْحِبه , فَيَا عِبَاد اللَّه , لا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ ) قال الحافظ : إسناده حسن . وقال الهيثمي : رجاله ثقات .
وهذا القول الأخير هو أولى الأقوال التي قيلت في معنى الحديث .
وقد سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/364) : هَلْ يَتَأَذَّى الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟
فَأَجَابَ :
هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْعُلَمَاءِ .
وَالصَّوَابُ : أَنَّهُ يَتَأَذَّى بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . . . ثم ذكر بعض هذه الأحاديث . ثم قال :
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الرُّوَاةَ لَهَا كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ , وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَائِشَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيُعَذَّبُ عَلَى إيصَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ , كالمزني وَغَيْرِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ ، فَيُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ , مِنْهُمْ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ .
وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا , وَالأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ لا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا .
وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُقْتَضَاهُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ , وَاعْتَقَدَ هَؤُلاءِ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الإِنْسَانَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ . . . .
واللَّه تعالى لا يُعَذِّبُ أَحَدًا فِي الآخِرَةِ إلا بِذَنْبِهِ ، ( ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
وَأَمَّا تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ لَمْ يَقُلْ : إنَّ الْمَيِّتَ يُعَاقَبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ , بَلْ قَالَ : ( يُعَذَّبُ ) وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ ، فَإِنَّ الْعَذَابَ هُوَ الأَلَمُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَلَّمَ بِسَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ عِقَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ , يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا ، وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ , وَالإِنْسَانُ يُعَذَّبُ بِالأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ وَالأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ فَهُوَ يَتَعَذَّبُ بِسَمَاعِ هَذَا وَشَمِّ هَذَا وَرُؤْيَةِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلا لَهُ عُوقِبَ عَلَيْهِ , فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يُعَذَّبَ الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَاحَةُ عَمَلا لَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ؟
ولا نحكم على كل من ناح عليه أهله أنه يعذب بذلك :
ثم قال شيخ الإسلام :
ثُمَّ النِّيَاحَةُ سَبَبُ الْعَذَابِ , وَقَدْ يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِنْ قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْعَذَابِ
وهذا العذاب الذي يحصل للمؤمن ببكاء أهله عليه ، من جملة الشدائد والأذى التي يكفر الله بها عن المؤمن من ذنوبه .
وأما الكافر فإنه يزداد بذلك عذابه ، فيجمع له بين ألم العقاب ، والتألم الحاصل له ببكاء أهله عليه .
ثم قال شيخ الإسلام :
وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يَشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) ؟
فأجاب :
" معناه أن الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يعلم بذلك ويتألم ، وليس المعنى أن الله يعاقبه بذلك لأن الله تعالى يقول : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) والعذاب لا يلزم أن يكون عقوبة ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن السفر قطعة من العذاب ) والسفر ليس بعقوبة ، لكن يتأذى به الإنسان ويتعب ، وهكذا الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يتألم ويتعب من ذلك ، وإن كان هذا ليس بعقوبة من الله عز وجل له ، وهذا التفسير للحديث تفسير واضح صريح ، ولا يرد عليه إشكال ، ولا يحتاج أن يقال : هذا فيمن أوصى بالنياحة ، أو فيمن كان عادة أهله النياحة ولم ينههم عند موته ، بل نقول : إن الإنسان يعذب بالشيء ولا يتضرر به " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/408) .
نعم ، قد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وليس هذا من عقوبة الميت بذنب غيره ، كما سيأتي .
وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الأحاديث ، لظنها أنها تتعارض مع قوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا ، مع بيان معناها الصحيح الذي لا يتعارض مع هذه الآية ، وجواب العلماء على اعتراض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
روى البخاري (1291) ومسلم (933) عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ) زاد مسلم : ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
وروى البخاري (1292) ومسلم (927) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ) .
قال النووي : وَفِي رِوَايَة بِإِثْبَاتِ ( فِي قَبْره ) وَفِي رِوَايَة بِحَذْفِهِ اهـ .
وروى البخاري (1288) ومسلم (929) عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا ، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا صَوْت مِنْ الدَّار ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ : أَلا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ ؟
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ : ....َلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ : وَا أَخَاهُ ! وَا صَاحِبَاهُ ! فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا صُهَيْبُ ، أَتَبْكِي عَلَيَّ ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَتْ : رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ) وَقَالَتْ : حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا .
وقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَتْ : إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُوني عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلا مُكَذَّبَيْنِ ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ .
قال الحافظ :
قَوْله : ( مَا قَالَ اِبْن عُمَر شَيْئًا ) َقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : سُكُوته لا يَدُلّ عَلَى الإِذْعَان فَلَعَلَّهُ كَرِهَ الْمُجَادَلَة فِي ذَلِكَ الْمَقَام .
وروى مسلم (927) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ، فَقَالَ : مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ ! أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟) .
فهذه الأحاديث رواها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة من الصحابة وهم عمر وابن عمر والمغيرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ، وفيها تعذيب الميت ببكاء أهله عليه .
مسائل :
المسألة الأولى :
المراد بالبكاء في هذه الأحاديث .
اتفق العلماء على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق البكاء ، بل المراد بالبكاء هنا النياحة ورفع الصوت .
قال النووي :
" وَأَجْمَعُوا كُلّهمْ عَلَى اِخْتِلَاف مَذَاهِبهمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاء بِصَوْتٍ وَنِيَاحَة لَا مُجَرَّد دَمْع الْعَيْن " انتهى .
المسألة الثانية :
أما رد عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها هذه الأحاديث ، فهو اجتهاد منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ، حيث ظنت أن عمر وابنه رضي الله عنهما قد وهما وأخطآ ، وأن هذه الأحاديث معارضة لقول الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام/164 .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : " إِنْكَار عَائِشَة رضي الله عنها ذَلِكَ وَحُكْمهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوْ النِّسْيَان أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَع بَعْضًا بَعِيد , لأَنَّ الرُّوَاة لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الصَّحَابَة كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلا وَجْه لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَان حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَل صَحِيح " انتهى .
فإن قيل : كيف حلفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها على أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل هذا مع ثبوته عنه ؟
فالجواب : أنها حلفت بناء على غلبة ظنها أن عمر وابنه عبد الله وهما رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ، والحلف على غلبة الظن جائز . قاله النووي رحمه الله بمعناه .
المسألة الثالثة :
الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما استدلت به عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من قول الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) . وبيان أنه لا تعارض بينها .
اختلفت طريقة العلماء في توجيه الحديث وبيان عدم تعارضه مع الآية ، ولهم في ذلك طرق :
أَوَّلهَا : طَرِيقَة الْبُخَارِيّ
أنه يعذب بذلك إذا كان من سنته وطريقته وقد أقرّ عليه أهله في حياته فيعذب لذلك ، وإن لم يكن من طريقته فإنه لا يعذب . فإنه قال :
" بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (أي من طريقته وعادته) "
قال الحافظ :
" فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّب بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُون تِلْكَ طَرِيقَته إِلَخْ , وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّف ( فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّته ) أَيْ كَمَنْ كَانَ لا شُعُور عِنْده بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْره , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ اِبْن الْمُبَارَك : إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاته فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْء " انتهى .
ثَانِيهَا :
وقد نسبه النووي إلى الْجُمْهُور وصححه ، حملوا الحديث عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاح بَعْد مَوْته فَنُفِّذَتْ وَصِيَّته , فَهَذَا يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله عَلَيْهِ وَنَوْحهمْ ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوب إِلَيْهِ , فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْله وَنَاحُوا مِنْ غَيْر وَصِيَّة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّب لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
قَالُوا : وَكَانَ مِنْ عَادَة الْعَرَب الْوَصِيَّة بِذَلِكَ ، وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَةَ بْن الْعَبْد :
إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَدِ
قَالُوا : فَخَرَجَ الْحَدِيث مُطْلَقًا حَمْلا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ .
ثَالِثهَا : هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْح ، أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا .
فَأَمَّا مَنْ وَصَّى بِتَرْكِهِمَا فَلَا يُعَذَّب بِهِمَا إِذْ لا صُنْع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيط مِنْهُ . وَحَاصِل هَذَا الْقَوْل إِيجَاب الْوَصِيَّة بِتَرْكِهِمَا , وَمَنْ أَهْمَلَهُمَا عُذِّبَ بِهِمَا . وَهُوَ قَوْل دَاوُد وَطَائِفَة .
رَابِعهَا : وَقَالَتْ طَائِفَة : مَعْنَى الأَحَادِيث أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّت وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِله وَمَحَاسِنه فِي زَعْمهمْ , وَتِلْكَ الشَّمَائِل قَبَائِح فِي الشَّرْع يُعَذَّب بِهَا .
فمَعْنَى قَوْله " يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله " أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيه أَهْله بِهِ .
وَهَذَا اِخْتِيَار اِبْن حَزْم وَطَائِفَة ,
فكانوا يَنْدُبُونَ الميت بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي ظلم فِيهَا , وَشَجَاعَته الَّتِي صَرَفَهَا فِي غَيْر طَاعَة اللَّه , وَجُوده الَّذِي لَمْ يَضَعهُ فِي الْحَقّ , فَأَهْله يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِر وَهُوَ يُعَذَّب بِذَلِكَ .
خَامِسهَا : مَعْنَى التَّعْذِيب تَوْبِيخ الْمَلائِكَة لَهُ بِمَا يَنْدُبهُ أَهْله بِهِ كَمَا رَوَى ابن ماجه (1594) عن أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ، إِذَا قَالُوا : وَا عَضُدَاهُ ، وَا كَاسِيَاهُ ، وَا نَاصِرَاهُ ، وَا جَبَلَاهُ ، وَنَحْوَ هَذَا ، يُتَعْتَعُ –أي يقلق ويزعج ويجر بشدة- وَيُقَالُ : أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ )
قَالَ أَسِيدٌ : فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
قَالَ : وَيْحَكَ ! أُحَدِّثُكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَرَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! أَوْ تَرَى أَنِّي كَذَبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى ؟! حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (1003) بِلَفْظِ : ( مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ : وَا جَبَلاهْ وَا سَيِّدَاهْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ -أَيْ : يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ- أَهَكَذَا كُنْتَ ؟ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ويشهد له ما رواه البخاري (4268) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي : وَا جَبَلاهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ : مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلا قِيلَ لِي : آنْتَ كَذَلِكَ ؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ .
سَادِسهَا : مَعْنَى التَّعْذِيب تَأَلُّم الْمَيِّت بِمَا يَقَع مِنْ أَهْله مِنْ النِّيَاحَة وَغَيْرهَا , وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي جَعْفَر الطَّبَرِيّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَرَجَّحَهُ القاضي عِيَاض ، وَنَصَرَهُ شيخ الإسلام اِبْن تَيْمِيَة وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَة بِنْت مَخْرَمَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاها عن البكاء على ابنها وقال : ( أَيُغْْلَبُ أَحَدكُمْ أَنْ يُصَاحِب صُوَيْحِبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا , وَإِذَا مَاتَ اِسْتَرْجَعَ , فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِر إِلَيْهِ صُوَيْحِبه , فَيَا عِبَاد اللَّه , لا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ ) قال الحافظ : إسناده حسن . وقال الهيثمي : رجاله ثقات .
وهذا القول الأخير هو أولى الأقوال التي قيلت في معنى الحديث .
وقد سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/364) : هَلْ يَتَأَذَّى الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟
فَأَجَابَ :
هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْعُلَمَاءِ .
وَالصَّوَابُ : أَنَّهُ يَتَأَذَّى بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . . . ثم ذكر بعض هذه الأحاديث . ثم قال :
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الرُّوَاةَ لَهَا كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ , وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَائِشَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيُعَذَّبُ عَلَى إيصَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ , كالمزني وَغَيْرِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ ، فَيُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ , مِنْهُمْ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ .
وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا , وَالأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ لا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا .
وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُقْتَضَاهُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ , وَاعْتَقَدَ هَؤُلاءِ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الإِنْسَانَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ . . . .
واللَّه تعالى لا يُعَذِّبُ أَحَدًا فِي الآخِرَةِ إلا بِذَنْبِهِ ، ( ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
وَأَمَّا تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ لَمْ يَقُلْ : إنَّ الْمَيِّتَ يُعَاقَبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ , بَلْ قَالَ : ( يُعَذَّبُ ) وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ ، فَإِنَّ الْعَذَابَ هُوَ الأَلَمُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَلَّمَ بِسَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ عِقَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ , يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا ، وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ , وَالإِنْسَانُ يُعَذَّبُ بِالأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ وَالأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ فَهُوَ يَتَعَذَّبُ بِسَمَاعِ هَذَا وَشَمِّ هَذَا وَرُؤْيَةِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلا لَهُ عُوقِبَ عَلَيْهِ , فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يُعَذَّبَ الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَاحَةُ عَمَلا لَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ؟
ولا نحكم على كل من ناح عليه أهله أنه يعذب بذلك :
ثم قال شيخ الإسلام :
ثُمَّ النِّيَاحَةُ سَبَبُ الْعَذَابِ , وَقَدْ يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِنْ قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْعَذَابِ
وهذا العذاب الذي يحصل للمؤمن ببكاء أهله عليه ، من جملة الشدائد والأذى التي يكفر الله بها عن المؤمن من ذنوبه .
وأما الكافر فإنه يزداد بذلك عذابه ، فيجمع له بين ألم العقاب ، والتألم الحاصل له ببكاء أهله عليه .
ثم قال شيخ الإسلام :
وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يَشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) ؟
فأجاب :
" معناه أن الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يعلم بذلك ويتألم ، وليس المعنى أن الله يعاقبه بذلك لأن الله تعالى يقول : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) والعذاب لا يلزم أن يكون عقوبة ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن السفر قطعة من العذاب ) والسفر ليس بعقوبة ، لكن يتأذى به الإنسان ويتعب ، وهكذا الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يتألم ويتعب من ذلك ، وإن كان هذا ليس بعقوبة من الله عز وجل له ، وهذا التفسير للحديث تفسير واضح صريح ، ولا يرد عليه إشكال ، ولا يحتاج أن يقال : هذا فيمن أوصى بالنياحة ، أو فيمن كان عادة أهله النياحة ولم ينههم عند موته ، بل نقول : إن الإنسان يعذب بالشيء ولا يتضرر به " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/408) .
عين الحياه- وسام الآلفية الثالثة
- علم بلدك :
عدد المساهمات : 3250
نقاط : 11657
تاريخ الميلاد : 13/12/1986
تاريخ التسجيل : 14/10/2010
العمر : 37
الموقع : https://egyfree.ahlamontada.com
العمل/الترفيه : بكالوريوس تجاره تخصص اداره اعمال
الوظيفة :
المزاج : احب الله والعمل على طاعته
رد: هل صحيح أن الميت يعذب بالبكاء عليه ؟
موضوع شيق ويستحق الكلام فيه وبارك الله فيكي علي هذا الموضوع لانه بالفعل
يستحق ان نتكلم فيه ونتحدث كثيرا ولكن يبقي سؤال محير هل لو ان احد اقاربنا نحن
توفي الي رحمه الله هل نستطيع ان نتمالك انفسنا ولا نبكي ولا نحزن لا واعتقد انه من
يجاوب نعم استطيع انه كذاب او منافق ولكن كل ماعلينا هو ان ندعو الي كل المسلمين
الذين توفاهم الله ان يرحمهم برحمته ويسكنهم فسيح جناته وارجو من كل من يقرأ هذا الرد
من ان يقرأ الفاتحه علي روح امواتنا واموات المسلمين جميعا
يستحق ان نتكلم فيه ونتحدث كثيرا ولكن يبقي سؤال محير هل لو ان احد اقاربنا نحن
توفي الي رحمه الله هل نستطيع ان نتمالك انفسنا ولا نبكي ولا نحزن لا واعتقد انه من
يجاوب نعم استطيع انه كذاب او منافق ولكن كل ماعلينا هو ان ندعو الي كل المسلمين
الذين توفاهم الله ان يرحمهم برحمته ويسكنهم فسيح جناته وارجو من كل من يقرأ هذا الرد
من ان يقرأ الفاتحه علي روح امواتنا واموات المسلمين جميعا
مطرود- عضو مطرود من المنتدى
- علم بلدك :
عدد المساهمات : 670
نقاط : 6928
تاريخ الميلاد : 20/09/1986
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 37
مواضيع مماثلة
» النيلحة على الميت
» كيف يرى الميت ملك الموت
» انظرالى الميت فى قبره
» دروس وعبر من صحيح القصص النبوي
» نأسف الرقم الذي أدخلته غير صحيح
» كيف يرى الميت ملك الموت
» انظرالى الميت فى قبره
» دروس وعبر من صحيح القصص النبوي
» نأسف الرقم الذي أدخلته غير صحيح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس فبراير 29, 2024 5:08 pm من طرف lovesport
» شركة تنظيف بالجبيل
الأحد فبراير 18, 2024 2:04 am من طرف شيماء أسامة 272
» شركة تنظيف بالجبيل
الثلاثاء أكتوبر 31, 2023 10:00 pm من طرف شيماء أسامة 272
» شركة تنظيف سجاد براس تنورة
الإثنين أكتوبر 09, 2023 5:00 pm من طرف شيماء أسامة 272
» تحميل القران الكريم بصوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد mp3 كامل مجانا مضغوط
الإثنين سبتمبر 18, 2023 12:34 pm من طرف alaa_eg
» تحميل التعليق العربي pes 2013 حفيظ دراجي
الأحد سبتمبر 17, 2023 12:41 pm من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج SFX Maker لصناعة البرامج تثبيت صامت بآخر إصدار
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:32 am من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج تشغيل الفيديو QQ Player كيوكيو بلاير للكمبيوتر
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:27 am من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج صانع شهادات التقدير للكمبيوتر مجاناً - Certificate Maker
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:09 am من طرف alaa_eg
» تحميل القران الكريم بصوت اسلام صبحي mp3 كامل مجانا
الأحد سبتمبر 10, 2023 5:32 am من طرف alaa_eg
» بوكلين فولفو 460 - حفار فولفو 2009 - VOLVO EC460B - Excavator - كود A 282
الإثنين أغسطس 14, 2023 4:11 pm من طرف lovesport
» تبادل إعلاني مجاني - تبادل بانرات ، تبادل اعلانات نصيه ، تبادل زيارات
الجمعة فبراير 24, 2023 6:34 pm من طرف alaa_eg
» منتديات عرب مسلم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:32 pm من طرف alaa_eg
» منتديات مثقف دوت كوم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:30 pm من طرف alaa_eg
» منتدى برامج نت
الجمعة فبراير 24, 2023 6:28 pm من طرف alaa_eg
» منتدى المشاغب
الجمعة فبراير 24, 2023 6:26 pm من طرف alaa_eg
» منتديات العرب
الجمعة فبراير 24, 2023 6:24 pm من طرف alaa_eg
» منتدى عرب مسلم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:22 pm من طرف alaa_eg
» منتديات برامج نت
الجمعة فبراير 24, 2023 6:20 pm من طرف alaa_eg
» منتدى فتكات
الجمعة فبراير 24, 2023 6:18 pm من طرف alaa_eg