رقم الزائر
.:: أنت الزائر رقم ::.بحـث
ساعه المنتدى
المواضيع الأخيرة
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1750 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Shimaa mohamed فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 33041 مساهمة في هذا المنتدى في 8848 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المدير العام | ||||
ريهام | ||||
عين الحياه | ||||
لؤلؤة المنتدى | ||||
سحر الشرق | ||||
abdullah99 | ||||
امانى | ||||
رحيق الايمان | ||||
احمد عبدالباسط | ||||
joka.jaky |
دخول
مجموعة منتديات مصر الحره
مجموعه منتديات مصر الحره |
زيارة هذه المجموعة |
اشتراك في مجموعه منتديات مصر الحره |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مصر على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مصر الحره على موقع حفض الصفحات
سلسلة { اعترافات فتاة } (13)
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة { اعترافات فتاة } (13)
- 33 -
لم أهرب هذه المرة..
ألقيت جسمي على الكرسي المتهالك.. وأخذت أتنفس
بعمق وأنا أرتجف من شدة الانفعال.. وقطرات العرق
تتصبب على وجهي..
آآآآآآآه.. يا الله..
فتحت قارورة الماء البارد التي كانت معي وأخذت أصبه
على رأسي كالمجنونة..
شششششششششششش.. باااااارد..
ضحكت..
أخذ الماء يتصبب على جوانب وجهي وصدري.. ويبلل
ملابسي..
بينما دموعي تنهمر خلف نظارتي السوداء..
نظرت إلى الساعة كانت التاسعة والربع.. تصبح
الجامعة خاوية تقريباً هذا الوقت.. الكل في قاعاته..
وأنا هنا.. وحدي..
آه يا ربي.. كم من الألم أتحمل وحدي..
رفعت قدمي وجلست على الكرسي..
رفعت ركبتي لأعلى ووضعت رأسي بينهما..
ألم.. ألم حارق يغرس أنيابه في قلبي.. ورئتي..
وشراييني.. ويفترس حتى أطراف أصابعي..
هل كانت هي السبب..؟
لا أعتقد.. شجاري معها كان فقط القشة التي قصمت
ظهر البعير.. لقد انفجرت لأصب جام غضبي
عليها..
فتدفقت آلامي المترسبة..
ليست الدكتورة سميرة المتعجرفة هي السبب.. كانت
مجرد دبوس فجر بالونة همومي القديمة..!
أخذت أبكي بحرقة ولا أعرف لماذا.. أشعر بالألم..
الضيق..
أشعر أن كل شيء ضدي.. منذ طفولتي..
والداي المنفصلان منذ الطفولة..
أبي البعيد اللامبالي.. أمي المشغولة بنفسها دائماً..
جدتي المتسلطة..
مدرساتي القاسيات..
درجاتي السيئة ورسوبي المتكرر..
وحدتي الدائمة.. وعدد شعور أحد بي..
صديقاتي الغادرات.. ناكرات الجميل..
حتى.. هو.. طعنني وذهب..
هو .. الذي أحببته من كل قلبي..
وسهرت الليالي الطويلة أحادثه.. وأراسله..
تركني إليها..
صديقتي..
لماذا؟
كنت أعتقد أنه يحبني.. وأنني كل شيء في حياته..
لكنه ذهب..
تركني وحيدة.. أتخبط بين هذا وذاك للتسلية وقضاء
الوقت على الهاتف والنت.. أبحث عن السعادة..
تمر فتاتان.. ينظران إلي باستغراب.. هه.. يبدو أنني
بالغت اليوم قليلاً..
أتلمس الحلق الطويل الذي يتدلى من أذني اليسرى..
وخصلة شعري الوردية على وجهي.. وأبتسم..
هـه.. لتنظرا.. لتحدق هاتان الغبيتان.. لا يهمني
أمرهما.. مسكينتان تعتقدان أنهما تحرجانني
بنظراتهما!!
غبيتان.. أنا أتعمد فعل ذلك لتنظرا إلي.. أريد أن
أحرق أعصابهما.. حسناً؟!
حتى الغبية سميرة.. تعتقد أني سأخاف من سجل
حضورها أو من صرخاتها الخرقاء.. أنا لا يهمني
أحد..
لا أحد.. طالما أن أحداً لم يهتم بي في حياتي..
أخرج مسجل الهيد فون الخاص بي.. وأضع شريط
مطربي المفضل..
أجد نفسي أزداد ضيقاً وحزناً.. وأتمنى أن أموت..
فهذه الدنيا ليس فيها سوى الآلام والوحدة..
أغلق الشريط .. وأفكر في أن أسمع قناة موسيقية..
أحرك مؤشر الراديو يمنة ويسرة.. يتهادى إلى سمعي
صوت قرآن من إذاعة القرآن..
قشعريرة تسري في جسدي.. أشعر بالخوف.. لا
أعرف لماذا..
كأن شيئاً عظيماً يحيط بي.. شيء أهرب منه دائماً..
أغير المؤشر بسرعة.. ودقات قلبي تتسارع..
لماذا أخاف من سماع القرآن الكريم؟
لماذا أمر على المصلىّ بسرعة ولا ألتفت تجاهه وكأني
مذنبة هاربة تخشى من العقاب؟!
ضممت ركبتي إلى صدري.. وكأني أحتضن أماً لم
أشعر بحنانها في حياتي..
كنت متوترة.. خائفة.. بحاجة لمن أهرب إليه..
وبحركة لا شعورية.. أمسكت مسجلتي وفتحت على
الإذاعة مرة أخرى..
وكمن يستلذ بتعذيب نفسه..
أخذت أسمع القرآن..
وعرفت لماذا أخاف وأهرب.. وأرتبك إذا سمعته..
لأني بعيدة.. بعيدة جداً عن إلهي..
وأخشى مواجهته..
شيء مخيف فعلاً.. لقد ابتعدت كثيراً.. بالغت في
ذلك..
لم أركع ركعة واحدة لله منذ سنوات.. أغويت
الكثيرين..
استهزأت.. وسخرت.. وعبثت.. و..
لقد ابتعدت كثيراً..
لكن.. كيف أعود.. الطريق بعيد.. من يمسك بيدي؟
لا أحد يجرؤ حتى على الاقتراب مني.. أو دعوتي..
وأنا.. لا أعرف كيف أعود..
أشعر بانكسار..
* *
بقيت أياماً حائرة..
أشعر بعطش شديد.. لشيء لا أعرفه..
سئمت الأغاني.. سئمت الأفلام والمسلسلات..
سئمت جلسات البالتوك طوال الليل..
سئمت الهاتف وكل شيء..
نفسي الضائعة الضجرة تبحث عن شيء ما.. لا أريد
الاعتراف به..
يرن جوالي..
إنه هو.. أففف..
حتى هذا الأخير أصبح مملاً..
أغلقت الخط في وجهه..
ماذا أريد..؟ يا ربي..
أشعر بأني أكاد أختنق..
وبهدوء.. أسحب مذياعي.. وأستمع للإذاعة..
صوت القرآن عذب..
رغبة الهروب والخوف بدأت تقل.. لكنها لازالت
تساورني..
أسترخي على سريري..
يا الله.. كم أريد أن أتوب.. أن أعود إليك..
لكن.. أخشى..
ألا تقبلني..
أخشى أن يكون ذلك صعباً..
ماذا سيقلن عني؟ أحلام صارت مطوعة!!
سيضحكن علي.. سيهزأن بماضيي..
سـ..
كلا.. لا أستطيع..
كيف أترك كل ما حولي من متع؟
* *
أسير في الجامعة وحدي..
منذ غدرت بي فايزة وأخذته مني..
وأنا أكره الصديقات.. أكرههن.. وأكره كل من حولي..
هذه الأيام.. لم أعد أهتم بلفت الأنظار..
أشعر أن أشياء كثيرة تتحطم في داخلي..
وأني مشغولة بالبحث عن نفسي الهاربة منذ زمن..
أسمع إحداهن تهمس لزميلتها..
- انظري!!.. أحلام أزالت خصلتها الفوشية والوشم
المخيف الذي على رقبتها!!
- فعلاً.. ولم تعد ترتدي أساورها الجلدية الغريبة!
أرمي جسدي على الكرسي.. بينما عقلي يجول في
أماكن كثيرة..
والفكرة تراودني..
هل أتوب.. لكن.. صعب..
لقد مللت.. تعبت.. ماذا لو أجرب..؟
كلا.. سيضحكن علي.. أعرف ذلك!
كنت مشتتة تماماً.. ولا أعرف ماذا أفعل..
* *
بعد المحاضرة.. وجدت نفسي أسير.. إلى حيث لا
أعرف.. إلى حيث سارت بي قدماي..
ووجدت نفسي أمام مكتبها.. المعيدة أسماء.. التي
سبق ودرستني في سنتي الأولى..
وقفت صامتة أمام مكتبها المفتوح..
نظرت إلي وأغلقت سماعة الهاتف.. كانت مستغربة..
- أهلاً.. أحلام.. كيف حالك؟
هي الوحيدة التي لا أشعر أنها تكرهني على الأقل..
- تريدين شيئاً؟
- آآآه.. ممم.. كلا.. آسفة..
وهممت بالخروج من الغرفة..
- أحلام.. لحظة تعالي..
اقتربت منها.. وأنا متوترة..
- نعم..؟
- أشعر أن لديك شيئاً..
- أنا؟.. لا.. لا شيء..
- حسناً اجلسي معي قليلاً.. ما رأيك بشرب فنجان
من القهوة؟
شعرت بالراحة.. وجلست.. كنت أشعر أنها تفهمني..
نوعاً ما..
كانت تصب لي القهوة من البراد حين قالت..
- شكلك تغير يا أحلام!
- أنا؟
- نعم.. لا أعرف.. لبسك أصبه أهدأ من السابق..
ألا تلاحظين ذلك؟
- أهدأ؟ لماذا هل كان يصرخ؟ هه..
- أعني.. حتى عيناك.. شيء ما تغير..
ناولتني الفنجان.. وجلست أمامي بعد أن أغلقت
الباب..
وبقيت صامتة تنتظرني أتكلم..
ثنت متوترة في البداية.. ثم .. بعد قليل.. وجدت نفسي
أتحدث ببطء..
- أستاذة أسماء..أنا بصراحة.. لا أعرف.. أشعر
أني.. أريد أن أقترب من الله.. لكن.. أنا خائفة..
أشعر أني لا أستطيع.. لا أستطيع الاستمرار في
الصلاة والحجاب وغير ذلك.. أخشى أن لا أستطيع
المواصلة..
تنهدت ثم أكملت..
- بصراحة أستاذة أسماء.. أنا ولا عمري صليت..!
بقيت صامتة..
- (لا تستغربي.. فأنا أعيش في بيت لا أحد فيه يهتم
بي.. لم يأمرني أحد بالصلاة منذ طفولتي.. أعيش في
منزل والدي الذي لا أراه مع جدتي المسنة منذ أن كنت
في الخامسة.. وأمي متزوجة ولا تريدني.. لم يعلمني
أحد يوماً ما هو الخطأ والصح.. الكل يكرهني..
ويعتبرني عالة.. لم أشعر يوماً بالحب أو الاهتمام..
حتى أنتم يا أستاذة أسماء.. لم تقترب مني أستاذة
يوماً لتنصحني وتربت على كتفي بحنان وحب.. الكل
كان يصرخ في وجهي ويعتبرني سيئة ووقحة.. لذا
كنت أعاملهم بالمثل..
كنت أشعر بنظرات المدرسات القاسية التي تنظر لي
بكره ونفور..
لماذا؟ لماذا لم تنصحني مدرسة واحدة لا في المدرسة ولا
في الجامعة؟.. كلهن يتجنبن مواجهتي.. أو ينصحنني
بترفع وفوقية وبصوت عال..)
أخذت أبكي..
( كيف لمن هي مثلي أن تتوب.. وهي تغرق.. ولا أحد
يمد يده إليها؟ قولي لي.. أنا خائفة الآن.. لأني مللت
هذه الحياة.. ومللت الضياع.. وأريد أن أجد نفسي
التائهة.. وأرتاح..)
نظرت إلي أسماء بتأثر..
وقالت بهدوء..
(الإنسان كلما ابتعد عن خالقه.. كلما شعر بأنه صغير
وضعيف وضائع..
نحن نستمد قوتنا منه سبحانه.. فكلما اقتربنا منه..
شعرنا بالراحة والطمأنينة والأمان..
إذا أردت العودة لربك.. فابدئي بذلك... الله سبحانه
وتعالى يمد يديه إليك لتتوبي.. ينتظرك.. يتشوق
لعودتك إليه..
وتأكدي أن توبتك.. هي لنفسك أنت.. وليست لأحد
آخر)
نظرت إلي بثقة ثم قالت..
(قولي لي يا أحلام.. نبي الله ابراهيم عليه السلام..
كان يعيش في مجتمع كافر أليس كذلك؟)
(نعم)
(والداه كافران.. وقومه كفار.. وليس هناك من يوجهه
ولا من ينصحه.. فكيف اهتدى لعبادة الله سبحانه
وتعالى؟)
( من نفسه..)
(وهل ساعده أحد.. هل أيده أحد؟ كلا على العكس
استهزأ به قومه ثم حاربوه وكادوا يقتلونه..)
نظرت إليها باستغراب..
(إذا بقينا ننتظر من يأخذ بأيدينا لنتوب.. فقد ننتظر
طويلاً.. وقد يفوت الأوان دون أن نشعر..
إنها حياتك أنت لا حياة أحد غيرك... حددي مسارها..
إلى النار.. أم إلى الجنة..
كوني قوية.. وابدئي الآن..
وإذا كنت صادقة التوبة والعزيمة.. فستواصلين بإذن
الله)..
* *
صليت العشاء.. ثم السنة الراتبة..
واستلقيت على سريري بهدوء وراحة لم أعشها في
حياتي من قبل وأنا أستمع بلذة لإذاعة القرآن الكريم..
دون الرغبة في الهروب هذه المرة..
**
انتقاء من مجلة حياة العدد (65) رمضان 1426هـ
- 34 -
في رحيلها الـ ...
لم أهرب هذه المرة..
ألقيت جسمي على الكرسي المتهالك.. وأخذت أتنفس
بعمق وأنا أرتجف من شدة الانفعال.. وقطرات العرق
تتصبب على وجهي..
آآآآآآآه.. يا الله..
فتحت قارورة الماء البارد التي كانت معي وأخذت أصبه
على رأسي كالمجنونة..
شششششششششششش.. باااااارد..
ضحكت..
أخذ الماء يتصبب على جوانب وجهي وصدري.. ويبلل
ملابسي..
بينما دموعي تنهمر خلف نظارتي السوداء..
نظرت إلى الساعة كانت التاسعة والربع.. تصبح
الجامعة خاوية تقريباً هذا الوقت.. الكل في قاعاته..
وأنا هنا.. وحدي..
آه يا ربي.. كم من الألم أتحمل وحدي..
رفعت قدمي وجلست على الكرسي..
رفعت ركبتي لأعلى ووضعت رأسي بينهما..
ألم.. ألم حارق يغرس أنيابه في قلبي.. ورئتي..
وشراييني.. ويفترس حتى أطراف أصابعي..
هل كانت هي السبب..؟
لا أعتقد.. شجاري معها كان فقط القشة التي قصمت
ظهر البعير.. لقد انفجرت لأصب جام غضبي
عليها..
فتدفقت آلامي المترسبة..
ليست الدكتورة سميرة المتعجرفة هي السبب.. كانت
مجرد دبوس فجر بالونة همومي القديمة..!
أخذت أبكي بحرقة ولا أعرف لماذا.. أشعر بالألم..
الضيق..
أشعر أن كل شيء ضدي.. منذ طفولتي..
والداي المنفصلان منذ الطفولة..
أبي البعيد اللامبالي.. أمي المشغولة بنفسها دائماً..
جدتي المتسلطة..
مدرساتي القاسيات..
درجاتي السيئة ورسوبي المتكرر..
وحدتي الدائمة.. وعدد شعور أحد بي..
صديقاتي الغادرات.. ناكرات الجميل..
حتى.. هو.. طعنني وذهب..
هو .. الذي أحببته من كل قلبي..
وسهرت الليالي الطويلة أحادثه.. وأراسله..
تركني إليها..
صديقتي..
لماذا؟
كنت أعتقد أنه يحبني.. وأنني كل شيء في حياته..
لكنه ذهب..
تركني وحيدة.. أتخبط بين هذا وذاك للتسلية وقضاء
الوقت على الهاتف والنت.. أبحث عن السعادة..
تمر فتاتان.. ينظران إلي باستغراب.. هه.. يبدو أنني
بالغت اليوم قليلاً..
أتلمس الحلق الطويل الذي يتدلى من أذني اليسرى..
وخصلة شعري الوردية على وجهي.. وأبتسم..
هـه.. لتنظرا.. لتحدق هاتان الغبيتان.. لا يهمني
أمرهما.. مسكينتان تعتقدان أنهما تحرجانني
بنظراتهما!!
غبيتان.. أنا أتعمد فعل ذلك لتنظرا إلي.. أريد أن
أحرق أعصابهما.. حسناً؟!
حتى الغبية سميرة.. تعتقد أني سأخاف من سجل
حضورها أو من صرخاتها الخرقاء.. أنا لا يهمني
أحد..
لا أحد.. طالما أن أحداً لم يهتم بي في حياتي..
أخرج مسجل الهيد فون الخاص بي.. وأضع شريط
مطربي المفضل..
أجد نفسي أزداد ضيقاً وحزناً.. وأتمنى أن أموت..
فهذه الدنيا ليس فيها سوى الآلام والوحدة..
أغلق الشريط .. وأفكر في أن أسمع قناة موسيقية..
أحرك مؤشر الراديو يمنة ويسرة.. يتهادى إلى سمعي
صوت قرآن من إذاعة القرآن..
قشعريرة تسري في جسدي.. أشعر بالخوف.. لا
أعرف لماذا..
كأن شيئاً عظيماً يحيط بي.. شيء أهرب منه دائماً..
أغير المؤشر بسرعة.. ودقات قلبي تتسارع..
لماذا أخاف من سماع القرآن الكريم؟
لماذا أمر على المصلىّ بسرعة ولا ألتفت تجاهه وكأني
مذنبة هاربة تخشى من العقاب؟!
ضممت ركبتي إلى صدري.. وكأني أحتضن أماً لم
أشعر بحنانها في حياتي..
كنت متوترة.. خائفة.. بحاجة لمن أهرب إليه..
وبحركة لا شعورية.. أمسكت مسجلتي وفتحت على
الإذاعة مرة أخرى..
وكمن يستلذ بتعذيب نفسه..
أخذت أسمع القرآن..
وعرفت لماذا أخاف وأهرب.. وأرتبك إذا سمعته..
لأني بعيدة.. بعيدة جداً عن إلهي..
وأخشى مواجهته..
شيء مخيف فعلاً.. لقد ابتعدت كثيراً.. بالغت في
ذلك..
لم أركع ركعة واحدة لله منذ سنوات.. أغويت
الكثيرين..
استهزأت.. وسخرت.. وعبثت.. و..
لقد ابتعدت كثيراً..
لكن.. كيف أعود.. الطريق بعيد.. من يمسك بيدي؟
لا أحد يجرؤ حتى على الاقتراب مني.. أو دعوتي..
وأنا.. لا أعرف كيف أعود..
أشعر بانكسار..
* *
بقيت أياماً حائرة..
أشعر بعطش شديد.. لشيء لا أعرفه..
سئمت الأغاني.. سئمت الأفلام والمسلسلات..
سئمت جلسات البالتوك طوال الليل..
سئمت الهاتف وكل شيء..
نفسي الضائعة الضجرة تبحث عن شيء ما.. لا أريد
الاعتراف به..
يرن جوالي..
إنه هو.. أففف..
حتى هذا الأخير أصبح مملاً..
أغلقت الخط في وجهه..
ماذا أريد..؟ يا ربي..
أشعر بأني أكاد أختنق..
وبهدوء.. أسحب مذياعي.. وأستمع للإذاعة..
صوت القرآن عذب..
رغبة الهروب والخوف بدأت تقل.. لكنها لازالت
تساورني..
أسترخي على سريري..
يا الله.. كم أريد أن أتوب.. أن أعود إليك..
لكن.. أخشى..
ألا تقبلني..
أخشى أن يكون ذلك صعباً..
ماذا سيقلن عني؟ أحلام صارت مطوعة!!
سيضحكن علي.. سيهزأن بماضيي..
سـ..
كلا.. لا أستطيع..
كيف أترك كل ما حولي من متع؟
* *
أسير في الجامعة وحدي..
منذ غدرت بي فايزة وأخذته مني..
وأنا أكره الصديقات.. أكرههن.. وأكره كل من حولي..
هذه الأيام.. لم أعد أهتم بلفت الأنظار..
أشعر أن أشياء كثيرة تتحطم في داخلي..
وأني مشغولة بالبحث عن نفسي الهاربة منذ زمن..
أسمع إحداهن تهمس لزميلتها..
- انظري!!.. أحلام أزالت خصلتها الفوشية والوشم
المخيف الذي على رقبتها!!
- فعلاً.. ولم تعد ترتدي أساورها الجلدية الغريبة!
أرمي جسدي على الكرسي.. بينما عقلي يجول في
أماكن كثيرة..
والفكرة تراودني..
هل أتوب.. لكن.. صعب..
لقد مللت.. تعبت.. ماذا لو أجرب..؟
كلا.. سيضحكن علي.. أعرف ذلك!
كنت مشتتة تماماً.. ولا أعرف ماذا أفعل..
* *
بعد المحاضرة.. وجدت نفسي أسير.. إلى حيث لا
أعرف.. إلى حيث سارت بي قدماي..
ووجدت نفسي أمام مكتبها.. المعيدة أسماء.. التي
سبق ودرستني في سنتي الأولى..
وقفت صامتة أمام مكتبها المفتوح..
نظرت إلي وأغلقت سماعة الهاتف.. كانت مستغربة..
- أهلاً.. أحلام.. كيف حالك؟
هي الوحيدة التي لا أشعر أنها تكرهني على الأقل..
- تريدين شيئاً؟
- آآآه.. ممم.. كلا.. آسفة..
وهممت بالخروج من الغرفة..
- أحلام.. لحظة تعالي..
اقتربت منها.. وأنا متوترة..
- نعم..؟
- أشعر أن لديك شيئاً..
- أنا؟.. لا.. لا شيء..
- حسناً اجلسي معي قليلاً.. ما رأيك بشرب فنجان
من القهوة؟
شعرت بالراحة.. وجلست.. كنت أشعر أنها تفهمني..
نوعاً ما..
كانت تصب لي القهوة من البراد حين قالت..
- شكلك تغير يا أحلام!
- أنا؟
- نعم.. لا أعرف.. لبسك أصبه أهدأ من السابق..
ألا تلاحظين ذلك؟
- أهدأ؟ لماذا هل كان يصرخ؟ هه..
- أعني.. حتى عيناك.. شيء ما تغير..
ناولتني الفنجان.. وجلست أمامي بعد أن أغلقت
الباب..
وبقيت صامتة تنتظرني أتكلم..
ثنت متوترة في البداية.. ثم .. بعد قليل.. وجدت نفسي
أتحدث ببطء..
- أستاذة أسماء..أنا بصراحة.. لا أعرف.. أشعر
أني.. أريد أن أقترب من الله.. لكن.. أنا خائفة..
أشعر أني لا أستطيع.. لا أستطيع الاستمرار في
الصلاة والحجاب وغير ذلك.. أخشى أن لا أستطيع
المواصلة..
تنهدت ثم أكملت..
- بصراحة أستاذة أسماء.. أنا ولا عمري صليت..!
بقيت صامتة..
- (لا تستغربي.. فأنا أعيش في بيت لا أحد فيه يهتم
بي.. لم يأمرني أحد بالصلاة منذ طفولتي.. أعيش في
منزل والدي الذي لا أراه مع جدتي المسنة منذ أن كنت
في الخامسة.. وأمي متزوجة ولا تريدني.. لم يعلمني
أحد يوماً ما هو الخطأ والصح.. الكل يكرهني..
ويعتبرني عالة.. لم أشعر يوماً بالحب أو الاهتمام..
حتى أنتم يا أستاذة أسماء.. لم تقترب مني أستاذة
يوماً لتنصحني وتربت على كتفي بحنان وحب.. الكل
كان يصرخ في وجهي ويعتبرني سيئة ووقحة.. لذا
كنت أعاملهم بالمثل..
كنت أشعر بنظرات المدرسات القاسية التي تنظر لي
بكره ونفور..
لماذا؟ لماذا لم تنصحني مدرسة واحدة لا في المدرسة ولا
في الجامعة؟.. كلهن يتجنبن مواجهتي.. أو ينصحنني
بترفع وفوقية وبصوت عال..)
أخذت أبكي..
( كيف لمن هي مثلي أن تتوب.. وهي تغرق.. ولا أحد
يمد يده إليها؟ قولي لي.. أنا خائفة الآن.. لأني مللت
هذه الحياة.. ومللت الضياع.. وأريد أن أجد نفسي
التائهة.. وأرتاح..)
نظرت إلي أسماء بتأثر..
وقالت بهدوء..
(الإنسان كلما ابتعد عن خالقه.. كلما شعر بأنه صغير
وضعيف وضائع..
نحن نستمد قوتنا منه سبحانه.. فكلما اقتربنا منه..
شعرنا بالراحة والطمأنينة والأمان..
إذا أردت العودة لربك.. فابدئي بذلك... الله سبحانه
وتعالى يمد يديه إليك لتتوبي.. ينتظرك.. يتشوق
لعودتك إليه..
وتأكدي أن توبتك.. هي لنفسك أنت.. وليست لأحد
آخر)
نظرت إلي بثقة ثم قالت..
(قولي لي يا أحلام.. نبي الله ابراهيم عليه السلام..
كان يعيش في مجتمع كافر أليس كذلك؟)
(نعم)
(والداه كافران.. وقومه كفار.. وليس هناك من يوجهه
ولا من ينصحه.. فكيف اهتدى لعبادة الله سبحانه
وتعالى؟)
( من نفسه..)
(وهل ساعده أحد.. هل أيده أحد؟ كلا على العكس
استهزأ به قومه ثم حاربوه وكادوا يقتلونه..)
نظرت إليها باستغراب..
(إذا بقينا ننتظر من يأخذ بأيدينا لنتوب.. فقد ننتظر
طويلاً.. وقد يفوت الأوان دون أن نشعر..
إنها حياتك أنت لا حياة أحد غيرك... حددي مسارها..
إلى النار.. أم إلى الجنة..
كوني قوية.. وابدئي الآن..
وإذا كنت صادقة التوبة والعزيمة.. فستواصلين بإذن
الله)..
* *
صليت العشاء.. ثم السنة الراتبة..
واستلقيت على سريري بهدوء وراحة لم أعشها في
حياتي من قبل وأنا أستمع بلذة لإذاعة القرآن الكريم..
دون الرغبة في الهروب هذه المرة..
**
انتقاء من مجلة حياة العدد (65) رمضان 1426هـ
- 34 -
في رحيلها الـ ...
هناك أشخاص يمرون في حياتك..
فيتركون أثر جرح.. وهم كثر..
وأشخاص يمرون.. فيتركون رائحة عطر.. وهم قلة..
وآخرون يمرون..
فيتركونك.. شخصاً آخر..!
وهؤلاء..
قد لا تراهم سوى مرة واحدة في حياتك..
بثينة كانت من ذلك النوع..
- لا أعرف لماذا لم يجدوا غير هذه المراييل السخيفة ليرغمونا على لبسها؟!!
تبتسم وهي تقلب صفحات دفترها وتهز كتفيها..
- هه!.. ربما لأنهم لم يجدوا ما هو أسوأ منها!
- بالفعل.. أنت صادقة.. تبدو كأثوابٍ رجالية! خاصة وأن لونها الرمادي كئيب جداً ويشجع على كره المدرسة والرسوب.. بل حتى على فكرة الانتحار..!
- أففف!.. انتحار مرة واحدة!!.. حرام عليك.. كان خلصوا بنات المدرسة!
يأتي صوت المراقبة أبلة العنود..
- يا الله يا بنات.. طوابير.. يا الله.. الله يجزاكم خير.. صفرت من خمس دقايق..
- طيب طيب.. بشويش علينا..!
تضحك بثينة.. وتهمس لي..
- أي (بشويش) يا روان؟! المرة مسكينة قاعدة تترجانا.. أنت اللي بشويش عليها..
نقف بملل في الطوابير..
لا تشدنا الإذاعة المدرسية التي لم تتغير طريقتها منذ المرحلة الابتدائية.. (هل تعلم).. (حكم وأمثال).. تتكرر على مسامعنا كل سنة..
أهمس لفدوى التي كانت تقف أمامي في الطابور..
- رأيت كليب (فلانة) الجديد أمس..؟
ترد بفزع..
- لا.. ! أي كليب جديد.. ما شفت شي أمس؟
- يا شيييييخة.. معقولة؟ فاتك نص عمرك..!
تهمس لي بخوف كيلا تسمعها المراقبة..
- وييين؟.. متى شفتيه..؟
- في قناة الطرب.. بس شي خيااااال.. اليوم أقول لك قصته..
[size=25][size=16]نسكت قليلاً بينما تستمر الإذاعة..
(هل تعلم أن سرعة عطسة الإنسان تبلغ 60 كم في الساعة.. وأن..)
تكمل فدوى همسها..
- وشلون طالعة في الكليب..؟
- يوووه.. يبغالها جلسة.. اصبري إن شاء الله في الفسحة..
بدا التضايق على بثينة وهي تسمع حوارنا..
فلاطفتها بابتسامة اعتذار تعرفها جيداً.. وهي تنظر إلي بحزن..
- بس يا اللي ورا!!!
تصرخ الوكيلة المخيفة..
ويسود الصمت للحظات..
ثم تسير الطوابير..
* * *
حاولت مراراً أن تقنعني بأن أسجل معها في الدار..
لكني كنت أتحجج بأشياء كثيرة..
(ما عندي وقت.. ما عندي مواصلات.. صعبة.. ما أقدر أحفظ.. أخاف أتفشل..)
وحين سجلت في ناد رياضي..
اكتفت بأن واجهتني بابتسامة عتاب فهمتها بسرعة..
كان لبثينة بريق خاص في عينيها..
كانت فتاة هادئة.. خجولة.. وقوية في نفس الوقت..
لا أعرف لماذا كان الجميع يقولون أنهم يشعرون براحة عجيبة عند الجلوس معها أو التحدث معها..
تشعرين أنك مع إنسانة صادقة.. صافية السريرة تماماً مثل مرآة.. هادئة حد الدفء..
وكان الجميع يستغرب أن نكون صديقتين.. رغم اختلافنا..
كانت تقول لي دائماً..
- فيك خير كثير يا روان.. أنت إنسانة رائعة.. فقط.. فقط لو تتركين عنك بعض المنكرات..
- يوووووه.. عاد سويتيها (منكرات).. أنا بس اسمع شوية أغاني..
- والدش؟
- أي دش..؟ أنا بس أشوف شوية كليبات ومسلسلات علشان أشوف الناس شلون تلبس وتتمكيج.. بس!.. صدقيني هذا بس اللي يهمني..!
- لكن هل تشعرين أن هذا الشيء صحيح؟ ماذا لو لاقيت ربك.. اليوم.. أو غداً.. ألن تندمي على هذا؟
فأسكت..
- الله يهدينا يا بثينة.. ادعي لي بس..
ورغم استغراب الجميع من صداقتنا..
إلا أن بثينة كانت تعلم كم هو قلبي صاف على الآخرين.. وأنني أحافظ منذ صغري على الصلاة والسنن.. وأحب عمل الخير.. ومناصرة الحق.. وكم أن مسألة الأخلاق والحشمة هامة لدي.. وكذلك بر الوالدين..
لم أكن أحب الغيبة.. ولا النميمة والكذب..
كانت هناك لدي فقط أمور.. لا أعرف لماذا تلطخ بياض أعمالي الصالحة.. ولا أستطيع تركها.. سماع أغاني.. غفلة.. انشغال بتوافه الأمور.. وكنت أتحجج بأننا لا نزال صغاراً في السن.. ولا بأس علينا بذلك!
* * *
في آخر يوم من أيام اختبارات سنة ثالث..
كان يوماً بارداً.. لم نستطع فيه الجلوس كما خططنا في الساحة..
ولم تكن لدينا شهية لأن نطلب من مطعم كما خططنا أيضاً..
اكتفينا بوداعٍ حزين تخالطه الدموع الحارة..
وتبادلنا شيئاً من هدايا بسيطة..
ناولتني بثينة علبة هدية جميلة..
- أرجوك.. يا روان.. اقرئي هذه الكتيبات واسمعي الأشرطة التي انتقيتها لك.. إنها رائعة..
- إن شاء الله..
ابتسمت والدموع تترقرق في عينيها..
- ولا تنسيني...
كنت أحاول التظاهر بأني قوية ومتماسكة..
لكن حين تذكرت صبر بثينة علي طوال السنوات الماضية ومحاولاتها المتواصلة لنصحي وتغييري وهدايتي شعرت بالعطف والحزن عليها.. وبأني قاسية ومخيبة للآمال.. فانهرت بالبكاء.. ورجوتها أن تسامحني..
* * *
نسيت أمر الهدية في معمعة الإجازة..
لم أقرأ كتيبات بثينة.. ولم أسمع أشرطتها.. بل لم أفتح العلبة أصلاً..
سجلت في الجامعة.. انشغلت..
لم أتواصل معها على الهاتف إلا مرتين أو ثلاث..
ثم انقطعنا..
مضى عام كامل.. عامان..
في السنة الثالثة من دراستي الجامعية..
ودون مقدمات.. أتاني الخبر عبر موجات الجوال..
- روان!.. هل عرفتِ ماذا حصل؟
- ماذا؟
- بثينة هل تذكرينها؟
- كيف لا أذكرها.. إنها صديقتي..
- توفت الله يرحمها.. حادث سيارة في طريق عودتهم من العمرة..
توفت.. توفت.. توفت؟؟؟ هكذا بكل بساطة.. زالت بثينة من هذه الحياة..
معقولة.. بثينة؟ صديقتي الحبيبة..
لم تعد.. موجودة..؟!
لا أستطيع رؤيتها أبداً؟!
* * *
الأشخاص الرائعون لا نشعر بقيمتهم إلا حين نفقدهم..
[size=16]كنت أواعد نفسي بزيارتها ورؤيتها.. في وقت ما..
لا أعرف.. حين أنتهي من (الانشغال)..
والآن.. ها أنا أزور بيتهم معزية..
أخذت أبكي بحرقة..
كيف اختفت بثينة هكذا..؟
كانت تذكرني دائماً بأن الموت قد يخطفنا في أية لحظة.. لكني لم أتخيل أنه يمكن أن يأتي بهذه السرعة.. بهذه.. الـ (مفاجأة)!!
سبحان الله..!
الآن هي تواجه منكر ونكير في قبرها.. هي تسأل..
تعرض عليها أعمالها الصالحة والسيئة..
بكيت كثيراً وأنا أتخيل وحشتها في قبرها..
كان بالإمكان أن أكون أنا مكانها..
وتذكرت رجاءها لي أن أقرأ كتيباتها التي أهدتني..
شعرت بعطف كبير عليها.. وحين عدت للبيت أسرعت أحقق رغبتها..
وكأنه أبسط ما يمكن أن أفعله من أجلها.. بعد رحيلها..
فتحت العلبة وأنا أغالب دمعي وأخرجت الأشرطة والكتيبات لكي أقرأ وأسمع..
وإذا بورقة تسقط من بينها.. ملفوفة بشريط من الساتان..
رسالة..!
ياااه!.. من ثلاث سنوات.. ولم أقرأها إلا الآن..؟!
فتحتها بحرص.. وبدأت أقرأ وأبكي..
حتى وصلت لمقطع هزني..
(سأظل أدعو لك يا روان.. وسأظل أدعو الله أن يجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة..
وكم أتمنى أن تدعي أنت أيضاًمعي.. وأن نبذل قصارى جهدنا لنحقق هذه الغايةالعظمى..
وننعم بصحبة الأنبياء والأولياء.. ادعي معي يا روان.. لا تنسي!)[/size][/size]
[size=16]بكيت كثيراً..
إذاً.. كانت تدعو منذ ثلاث سنوات.. وأنا؟
أنا.. لاهية.. غافلة.. أتابع هذه القناة وتلك.. وهذا الشريط وذاك..
لقد عملت هي... فهنيئاً لها إن شاء الله..
لكن أنا.. ماذا عملت؟
منذ هذه اللحظة قررت أن أبدأ في تحقيق أمنيتها بإذن الله..
الفردوس..
وبدأت طريقاً جديداً أتدارك فيه ما مضى من عمري..
ورغم أن بثينة – رحمها الله- قد مرت في حياتي ورحلت..
لكنها تركتني شخصاً آخر.. تماماً..
وندرة هم من يغيرونك.. حتى بعد رحيلهم..
[/size]فيتركون أثر جرح.. وهم كثر..
وأشخاص يمرون.. فيتركون رائحة عطر.. وهم قلة..
وآخرون يمرون..
فيتركونك.. شخصاً آخر..!
وهؤلاء..
قد لا تراهم سوى مرة واحدة في حياتك..
بثينة كانت من ذلك النوع..
- لا أعرف لماذا لم يجدوا غير هذه المراييل السخيفة ليرغمونا على لبسها؟!!
تبتسم وهي تقلب صفحات دفترها وتهز كتفيها..
- هه!.. ربما لأنهم لم يجدوا ما هو أسوأ منها!
- بالفعل.. أنت صادقة.. تبدو كأثوابٍ رجالية! خاصة وأن لونها الرمادي كئيب جداً ويشجع على كره المدرسة والرسوب.. بل حتى على فكرة الانتحار..!
- أففف!.. انتحار مرة واحدة!!.. حرام عليك.. كان خلصوا بنات المدرسة!
يأتي صوت المراقبة أبلة العنود..
- يا الله يا بنات.. طوابير.. يا الله.. الله يجزاكم خير.. صفرت من خمس دقايق..
- طيب طيب.. بشويش علينا..!
تضحك بثينة.. وتهمس لي..
- أي (بشويش) يا روان؟! المرة مسكينة قاعدة تترجانا.. أنت اللي بشويش عليها..
نقف بملل في الطوابير..
لا تشدنا الإذاعة المدرسية التي لم تتغير طريقتها منذ المرحلة الابتدائية.. (هل تعلم).. (حكم وأمثال).. تتكرر على مسامعنا كل سنة..
أهمس لفدوى التي كانت تقف أمامي في الطابور..
- رأيت كليب (فلانة) الجديد أمس..؟
ترد بفزع..
- لا.. ! أي كليب جديد.. ما شفت شي أمس؟
- يا شيييييخة.. معقولة؟ فاتك نص عمرك..!
تهمس لي بخوف كيلا تسمعها المراقبة..
- وييين؟.. متى شفتيه..؟
- في قناة الطرب.. بس شي خيااااال.. اليوم أقول لك قصته..
[size=25][size=16]نسكت قليلاً بينما تستمر الإذاعة..
(هل تعلم أن سرعة عطسة الإنسان تبلغ 60 كم في الساعة.. وأن..)
تكمل فدوى همسها..
- وشلون طالعة في الكليب..؟
- يوووه.. يبغالها جلسة.. اصبري إن شاء الله في الفسحة..
بدا التضايق على بثينة وهي تسمع حوارنا..
فلاطفتها بابتسامة اعتذار تعرفها جيداً.. وهي تنظر إلي بحزن..
- بس يا اللي ورا!!!
تصرخ الوكيلة المخيفة..
ويسود الصمت للحظات..
ثم تسير الطوابير..
* * *
حاولت مراراً أن تقنعني بأن أسجل معها في الدار..
لكني كنت أتحجج بأشياء كثيرة..
(ما عندي وقت.. ما عندي مواصلات.. صعبة.. ما أقدر أحفظ.. أخاف أتفشل..)
وحين سجلت في ناد رياضي..
اكتفت بأن واجهتني بابتسامة عتاب فهمتها بسرعة..
كان لبثينة بريق خاص في عينيها..
كانت فتاة هادئة.. خجولة.. وقوية في نفس الوقت..
لا أعرف لماذا كان الجميع يقولون أنهم يشعرون براحة عجيبة عند الجلوس معها أو التحدث معها..
تشعرين أنك مع إنسانة صادقة.. صافية السريرة تماماً مثل مرآة.. هادئة حد الدفء..
وكان الجميع يستغرب أن نكون صديقتين.. رغم اختلافنا..
كانت تقول لي دائماً..
- فيك خير كثير يا روان.. أنت إنسانة رائعة.. فقط.. فقط لو تتركين عنك بعض المنكرات..
- يوووووه.. عاد سويتيها (منكرات).. أنا بس اسمع شوية أغاني..
- والدش؟
- أي دش..؟ أنا بس أشوف شوية كليبات ومسلسلات علشان أشوف الناس شلون تلبس وتتمكيج.. بس!.. صدقيني هذا بس اللي يهمني..!
- لكن هل تشعرين أن هذا الشيء صحيح؟ ماذا لو لاقيت ربك.. اليوم.. أو غداً.. ألن تندمي على هذا؟
فأسكت..
- الله يهدينا يا بثينة.. ادعي لي بس..
ورغم استغراب الجميع من صداقتنا..
إلا أن بثينة كانت تعلم كم هو قلبي صاف على الآخرين.. وأنني أحافظ منذ صغري على الصلاة والسنن.. وأحب عمل الخير.. ومناصرة الحق.. وكم أن مسألة الأخلاق والحشمة هامة لدي.. وكذلك بر الوالدين..
لم أكن أحب الغيبة.. ولا النميمة والكذب..
كانت هناك لدي فقط أمور.. لا أعرف لماذا تلطخ بياض أعمالي الصالحة.. ولا أستطيع تركها.. سماع أغاني.. غفلة.. انشغال بتوافه الأمور.. وكنت أتحجج بأننا لا نزال صغاراً في السن.. ولا بأس علينا بذلك!
* * *
في آخر يوم من أيام اختبارات سنة ثالث..
كان يوماً بارداً.. لم نستطع فيه الجلوس كما خططنا في الساحة..
ولم تكن لدينا شهية لأن نطلب من مطعم كما خططنا أيضاً..
اكتفينا بوداعٍ حزين تخالطه الدموع الحارة..
وتبادلنا شيئاً من هدايا بسيطة..
ناولتني بثينة علبة هدية جميلة..
- أرجوك.. يا روان.. اقرئي هذه الكتيبات واسمعي الأشرطة التي انتقيتها لك.. إنها رائعة..
- إن شاء الله..
ابتسمت والدموع تترقرق في عينيها..
- ولا تنسيني...
كنت أحاول التظاهر بأني قوية ومتماسكة..
لكن حين تذكرت صبر بثينة علي طوال السنوات الماضية ومحاولاتها المتواصلة لنصحي وتغييري وهدايتي شعرت بالعطف والحزن عليها.. وبأني قاسية ومخيبة للآمال.. فانهرت بالبكاء.. ورجوتها أن تسامحني..
* * *
نسيت أمر الهدية في معمعة الإجازة..
لم أقرأ كتيبات بثينة.. ولم أسمع أشرطتها.. بل لم أفتح العلبة أصلاً..
سجلت في الجامعة.. انشغلت..
لم أتواصل معها على الهاتف إلا مرتين أو ثلاث..
ثم انقطعنا..
مضى عام كامل.. عامان..
في السنة الثالثة من دراستي الجامعية..
ودون مقدمات.. أتاني الخبر عبر موجات الجوال..
- روان!.. هل عرفتِ ماذا حصل؟
- ماذا؟
- بثينة هل تذكرينها؟
- كيف لا أذكرها.. إنها صديقتي..
- توفت الله يرحمها.. حادث سيارة في طريق عودتهم من العمرة..
توفت.. توفت.. توفت؟؟؟ هكذا بكل بساطة.. زالت بثينة من هذه الحياة..
معقولة.. بثينة؟ صديقتي الحبيبة..
لم تعد.. موجودة..؟!
لا أستطيع رؤيتها أبداً؟!
* * *
الأشخاص الرائعون لا نشعر بقيمتهم إلا حين نفقدهم..
[size=16]كنت أواعد نفسي بزيارتها ورؤيتها.. في وقت ما..
لا أعرف.. حين أنتهي من (الانشغال)..
والآن.. ها أنا أزور بيتهم معزية..
أخذت أبكي بحرقة..
كيف اختفت بثينة هكذا..؟
كانت تذكرني دائماً بأن الموت قد يخطفنا في أية لحظة.. لكني لم أتخيل أنه يمكن أن يأتي بهذه السرعة.. بهذه.. الـ (مفاجأة)!!
سبحان الله..!
الآن هي تواجه منكر ونكير في قبرها.. هي تسأل..
تعرض عليها أعمالها الصالحة والسيئة..
بكيت كثيراً وأنا أتخيل وحشتها في قبرها..
كان بالإمكان أن أكون أنا مكانها..
وتذكرت رجاءها لي أن أقرأ كتيباتها التي أهدتني..
شعرت بعطف كبير عليها.. وحين عدت للبيت أسرعت أحقق رغبتها..
وكأنه أبسط ما يمكن أن أفعله من أجلها.. بعد رحيلها..
فتحت العلبة وأنا أغالب دمعي وأخرجت الأشرطة والكتيبات لكي أقرأ وأسمع..
وإذا بورقة تسقط من بينها.. ملفوفة بشريط من الساتان..
رسالة..!
ياااه!.. من ثلاث سنوات.. ولم أقرأها إلا الآن..؟!
فتحتها بحرص.. وبدأت أقرأ وأبكي..
حتى وصلت لمقطع هزني..
(سأظل أدعو لك يا روان.. وسأظل أدعو الله أن يجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة..
وكم أتمنى أن تدعي أنت أيضاًمعي.. وأن نبذل قصارى جهدنا لنحقق هذه الغايةالعظمى..
وننعم بصحبة الأنبياء والأولياء.. ادعي معي يا روان.. لا تنسي!)[/size][/size]
[size=16]بكيت كثيراً..
إذاً.. كانت تدعو منذ ثلاث سنوات.. وأنا؟
أنا.. لاهية.. غافلة.. أتابع هذه القناة وتلك.. وهذا الشريط وذاك..
لقد عملت هي... فهنيئاً لها إن شاء الله..
لكن أنا.. ماذا عملت؟
منذ هذه اللحظة قررت أن أبدأ في تحقيق أمنيتها بإذن الله..
الفردوس..
وبدأت طريقاً جديداً أتدارك فيه ما مضى من عمري..
ورغم أن بثينة – رحمها الله- قد مرت في حياتي ورحلت..
لكنها تركتني شخصاً آخر.. تماماً..
وندرة هم من يغيرونك.. حتى بعد رحيلهم..
[size=16]**
مجلة حياة العدد (66) شوال 1426هـ
مواضيع مماثلة
» سلسلة { اعترافات فتاة } (2)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (18)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (3)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (19)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (4)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (18)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (3)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (19)
» سلسلة { اعترافات فتاة } (4)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس فبراير 29, 2024 5:08 pm من طرف lovesport
» شركة تنظيف بالجبيل
الأحد فبراير 18, 2024 2:04 am من طرف شيماء أسامة 272
» شركة تنظيف بالجبيل
الثلاثاء أكتوبر 31, 2023 10:00 pm من طرف شيماء أسامة 272
» شركة تنظيف سجاد براس تنورة
الإثنين أكتوبر 09, 2023 5:00 pm من طرف شيماء أسامة 272
» تحميل القران الكريم بصوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد mp3 كامل مجانا مضغوط
الإثنين سبتمبر 18, 2023 12:34 pm من طرف alaa_eg
» تحميل التعليق العربي pes 2013 حفيظ دراجي
الأحد سبتمبر 17, 2023 12:41 pm من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج SFX Maker لصناعة البرامج تثبيت صامت بآخر إصدار
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:32 am من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج تشغيل الفيديو QQ Player كيوكيو بلاير للكمبيوتر
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:27 am من طرف alaa_eg
» تحميل برنامج صانع شهادات التقدير للكمبيوتر مجاناً - Certificate Maker
الثلاثاء سبتمبر 12, 2023 9:09 am من طرف alaa_eg
» تحميل القران الكريم بصوت اسلام صبحي mp3 كامل مجانا
الأحد سبتمبر 10, 2023 5:32 am من طرف alaa_eg
» بوكلين فولفو 460 - حفار فولفو 2009 - VOLVO EC460B - Excavator - كود A 282
الإثنين أغسطس 14, 2023 4:11 pm من طرف lovesport
» تبادل إعلاني مجاني - تبادل بانرات ، تبادل اعلانات نصيه ، تبادل زيارات
الجمعة فبراير 24, 2023 6:34 pm من طرف alaa_eg
» منتديات عرب مسلم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:32 pm من طرف alaa_eg
» منتديات مثقف دوت كوم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:30 pm من طرف alaa_eg
» منتدى برامج نت
الجمعة فبراير 24, 2023 6:28 pm من طرف alaa_eg
» منتدى المشاغب
الجمعة فبراير 24, 2023 6:26 pm من طرف alaa_eg
» منتديات العرب
الجمعة فبراير 24, 2023 6:24 pm من طرف alaa_eg
» منتدى عرب مسلم
الجمعة فبراير 24, 2023 6:22 pm من طرف alaa_eg
» منتديات برامج نت
الجمعة فبراير 24, 2023 6:20 pm من طرف alaa_eg
» منتدى فتكات
الجمعة فبراير 24, 2023 6:18 pm من طرف alaa_eg